تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

سورة النبأ

صفحة 348 - الجزء 3

  ما يرون من الآيات، من عجائب الصنع في الأرضين والسموات، وغيرهن مما جعل الله من المجعولات، وفطر سبحانه من بدائع المفطورات، اللواتي يشهدن لخالقهن، ويدللن على فاطرهن، وينطقن بربوبيته، بنواطق ما فيهن من أثر صنعه، الذي لا يجهله منصف، ولا يدفعه إلا مكابر مخالف؛ فذكر الله سبحانه: أنهم كذبوا بذلك بعد بيانه، ودفعوه بعد صحته في عقولهم، وثباته في صدورهم بأبين البيان، وأوضح البرهان. وقوله: {كذابا} فمعناها: تكذيبا، وملادة وتعطيلا، ومناكرة وكفرا.

  ثم قال: {وكل شيء أحصيناه كتابا ٢٩}، ومعنى {أحصيناه} فهو: علمناه وحفظناه، ومعنى {كتابا} أي: محفوظا مثبتا، معلوما مبينا. وإنما ضرب الله لهم بما ذكر من الكتاب مثلا؛ إذ كان أبين ما عندهم بيانا واضحا وأثبته - ما كان في الكتاب مكتوبا، وفي الصحف المعروفة موقعا؛ فذلك عندهم أبين ما يعرفون، وأوضح ما يعلمون، وأحصى ما يحصون؛ فمثل الله ø بما يكون حفظه لما يكون منهم وإحصاؤه إياه عليهم - بما هو أفضل الأشياء عندهم، وأبينه بيانا، وأثبته صحة مما يكتب في الكتب، ويوقع فيها.

  ثم قال سبحانه: {فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ٣٠}، يقول سبحانه: فذوقوا ما نزل بكم على فعلكم، وما نزل بكم من الجزاء الوفاق على كفركم. وقوله: {فلن نزيدكم إلا عذابا ٣٠}، يقول: لن تروا فرجا ولا رخاء، ولن تزدادوا بالمكث الطويل في جهنم إلا عذابا وبلاء؛ لأن عذابهم دائم سرمد، وخلودهم في النار دائم أبدا، ومن كان كذلك - لم يزدد بالمكث في جهنم إلا عذابا.

  ثم قال ، عن أن يحويه قول أو يناله: {إن للمتقين مفازا ٣١}، والمفاز فهو: موضع الفوز، والفوز فهو: النعيم والخير والسرور، وقرة العين من المآكل والمشارب، والمناظر والمناكح والمطالب.