تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

سورة النبأ

صفحة 347 - الجزء 3

  يطفي عنهم حر جهنم، وأمر يهون عليهم عظيم الألم. والشراب الذي لا يذوقونه فهو: الشراب البارد الهنئ، الطيب المريء؛ فذكر الله سبحانه: أنهم لا يذوقون من ذلك الصنف شيئا؛ لأنه صنف كرامة من الله لمن سقاه إياه ونعمة، وأن شرابهم هو الحميم الذي ذكر الله أنه {يتجرعه ولا يكاد يسيغه}⁣[إبراهيم: ١٧]؛ ألا تسمع كيف يقول تبارك وتعالى: {إلا حميما وغساقا ٢٥}، فالحميم فهو: الماء المحمى المسخن، الذي قد منع الأيدي عن مسه؛ لشدة حموه وحره، والغساق فهو: الذي قد غلى حتى رمى بحبه، وتطاير نضجه من جوانب إنائه، فهو يتطاير من الإناء؛ لشدة الغليان.

  {جزاء وفاقا ٢٦}، يقول: جزاء وفقا، مثلا بمثل، بالسوأة سوأة، وبالمعصية نقمة، وبالمخالفة عذابا؛ فهذا معنى الوفاق، أي: أنكم عذبتم بفعلكم، ونكلتم بجرمكم، ولم تظلموا في شيء من أموركم، وكان ذلك منا جزاء، فعلا على فعلكم، ومجازاة على صنعكم، فأذقناكم من عذابنا ما جعلناه في حكمنا به: جزاء لمن عند عنا، فكان منا حقا حقا، ولم نسأله ولم نعذبه تجاهلا ولا ظلما، ولا ابتداء ولا غشما؛ بل كان جزاء بعد الإعذار والإنذار، والاحتجاج والإمهال.

  {إنهم كانوا لا يرجون حسابا ٢٧}، يقول سبحانه: لا يأملون محاسبة على فعلهم، ولا يتوهمون مجازاة على صنعهم، ولا يوقنون ما أخبرناهم به من شرهم، ولا يصدقون بشيء مما أنبأنا به من الوعد والوعيد. ومعنى {يرجون} يأملون، في مخرج الكلم هاهنا هو: لا يخافون ويتقون ويخشون. {حسابا} أي: محاسبة منا على ما قدموا، ومجازاة على ما صنعوا.

  ثم قال سبحانه: {وكذبوا بآياتنا كذابا ٢٨}، يقول : وكذبوا بما رأوا وأبصروا، من الآيات الدالات علينا، وجحدوا بما بينت لهم حجتنا المركبة في صدورهم، من العقول المجعولة فيهم، من دلائل الحق، وبراهين الصدق، في