قوله تعالى: {كراما كاتبين 11 يعلمون ما تفعلون 12}
  فأعلمهم سبحانه: أن عليهم شهودا حافظين، كراما كاتبين، يعلمون ما يفعلون؛ فهؤلاء الحافظون فهم: الملائكة المقربون، وما يكتبون فهو: حفظهم لما يعلمون من الحسنات، وعلمهم الذي ليس فيه نسيان لما يحصون عليهم من جميع السيئات؛ إذ أحفظ الحفظ عند الإنسان هو: الكتاب، والكتاب هو: الثابت من الحفظ، الذي لا يدخله وهم ولا شك ولا ارتياب؛ فمن أحفظ أو أحصى، أو أي شهود أعدل علينا شهادة وأرضى، من ملائكة الله المقربين، وأمنائه الأطيبين، الذين لا ينسون من أفعال الناس التي أمروا بحفطها شيئا، صغيرا ولا كبيرا، ولا يزيدون فيها ولا ينقصون قليلا ولا كثيرا؟! هم أعدل عدلا، وأصدق صدقا، وأفضل فضلا من أن يتقولوا قليلا أو كثيرا باطلا.
  فقد يمكن - والله أعلم -: أن يكون حفظهم لأعمال البشر من الخير والشر، وهم في محل كرامتهم من السموات؛ لما أعطاهم الله من فضل القوى على كل الخلق في جميع الحالات، فيعلمون - بتقوية الله لهم، وما أعطاهم من فضل القوة في الإدراك - ما يأتي الناس به من الإساءة والإحسان، ويحفظون حفظا هو الكتاب، الذي لا يدرس ولا يذوى ولا يتغير؛ بما يكون منه من الطاعة والعصيان؛ لأن من عقل وفهم يعلم أن الملائكة في البنية والقوة والاحتمال على خلاف ما عليه الإنسان؛ لأن الملك روحاني لطيف قوي، والإنسان جسماني ضعيف جسدي، ومركب من طبائع مختلفة، والملك مخلوق من طبيعة واحدة لطيفة، ليس في خلقه تضاد بتركيب من الطبائع المختلفات، ولا يشبه الإنسان في جميع الصفات.
  وكذلك الملك في فضله، وما ذكرنا من وصفه هذا كله - فيصغر وتقل صفته عند جلال الله، وخلوص وحدانيته؛ لأن الملائكة بعضهم ببعض محيطون، وبعضهم لبعض مدركون، ولهم مناه وحدود؛ فهم محدودون، والله سبحانه ليس بذي حد ولا أجزاء ولا أركان، ولا يحيط به تعالى ملك ولا بشر ولا جان.