قوله تعالى: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون 26}
  ثم أخبر سبحانه: أنهم عنه يومئذ لمحجوبون؛ وحجابهم: منعهم من ثوابه، وعطائه لأوليائه؛ إذ لا يثابون، وإذ هم مجازون بالعقوبة، مبعدون عن رأفته ورحمته، وسعة جوده يومئذ على أوليائه، وما تضل فيه العقول من عظيم عطائه، فهم عن ذلك كله محجوبون، ومنه - مع كرم الله وجوده - يومئذ ممنوعون؛ فهذا هو الحجاب عن الله بعينه في مفهوم اللسان بأوضح الإيضاح، وأبين البيان. لما منعوا من أشرف جود الله شرفا، وأكبره قدرا، وأعظمه عظيما - جاز أن يقال: «إنهم محجوبون». وفي ذلك: ما تكون الوجوه الناظرة من الأبرار إلى ربها وثوابه، وصدق ما وعدهم به من وعده ناظرون، ولما بشرهم به ونبأهم من كريم الثواب والنعيم والجزاء منتظرون.
  وفي ذلك اليوم: ما يقال للمكذبين حين يبكتون، عند دخولهم الجحيم التي بها يعذبون: {هذا الذي كنتم به تكذبون ١٧}.
  قال الله سبحانه في ذكرهم، وذكر ما كانوا عليه من إثم فجورهم: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ١٤ كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ١٥ ثم إنهم لصالوا الجحيم ١٦ ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون ١٧}، والران على قلوبهم فهو - والله أعلم -: غرقها في الذنوب الذي يلزمها ما به وفيه من الله الجزاء بالخذلان؛ لما يجتمع عليها، أو يتراكب من الدنس بران العصيان، الذي يصديها ويسترها، ويكلها فيؤثر فيها، عن الذكر والتفكر في الآخذ بحظها، من طاعة الله خالقها بالتقوى والخير.
  ثم ذكر ø الأبرار الموقنين، الذين ليسوا بذوي تطفيف ولا إخسار، فقال سبحانه: {كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين ١٨}، والعليون - والله أعلم - فهم: العالون في الكتاب الأعلى المكرم، والكتاب هاهنا - والعلم عند الله - فهو: ما كتب الله لهم من الثواب والنعيم في جنته، وما علا به كل محسن منهم، فصار كتابه في العليين، بما قدم من بره وإحسانه.