تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

سورة الطارق

صفحة 398 - الجزء 3

  ثم نبه الله سبحانه الإنسان على: أن ينظر في العجيب من آياته، وفي ما يدله على قدرة الله وربوبيته؛ إذ يقول سبحانه: {فلينظر الإنسان مم خلق ٥ خلق من ماء دافق ٦}، والماء الدافق فهو: النطفة المندفقة من الإنسان عند إمنائه، والدافق فهو: الماء المنصب دفعة واحدة، ودفقة المندفق؛ وأي آية أعجب أو تعجب - أكبر وأصوب من خلق الإنسان من أضعف الأشياء وأوهنها، وأقلها قوة وأمهنها، فجعله على ما جعله عليه مخلوقا من الماء الميت المهين؛ فتبارك ذو الحكمة وأحسن الخالقين، فأنشأه من الماء المهين، فإذا هو خصيم مبين - حيا ناطقا مفكرا، قائما قاعدا، مقبلا مدبرا؛ يقول الله سبحانه: {أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين ٧٦}⁣[يس].

  وأما تفسير قوله سبحانه: {يخرج من بين الصلب والترائب ٧} فإنه قد قيل: إن الماء الذي يخلق منه الإنسان يكون من الرجل والمرأة، فأما ماء الرجل فيجيء ويخرج من صلبه، وأما ماء المرأة فمنشؤه ومجيئه من ترائبها؛ فسبحان الله ذي القدرة.

  ثم قال تبارك وتعالى: {إنه على رجعه لقادر ٨}، وتفسير ذلك - والله أعلم سبحانه -: أنه إذا خلقه من الماء المهين الدافق، ونقله في الخلق تارة بعد تارة - قادر على أن يرجعه بعد موته وبلائه بأقدر المقدرة.

  ثم أخبر متى يرجعه، ويحييه وينشره، فيجدد بدنه بعد البلاء وينشئه، فقال: {يوم تبلى السرائر ٩}، وهو: يوم القيامة الذي تبلى فيه كل سريرة، ويكشف فيه ما كان يستر في الدنيا كل مستوره.

  يقول الله سبحانه: {فما له من قوة ولا ناصر ١٠}، يعني سبحانه: فما للإنسان يومئذ في دفاع المعاقبة بعمله، والجزاء له عن سيئ أفعاله، من قوة يدفع بها ذلك عن نفسه، ولا ناصر ينصره من قريب ولا عشير؛ فيلجأ إلى نصرته.