تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {قد أفلح من تزكى 14}

صفحة 402 - الجزء 3

  وهدى إلي كل رشد في دين أو دنيا وصواب، ودل على كل بركة وخير، وهو الذي أخرج المرعى، فجعله غثاء أحوى؛ والمرعى فهو: الرعي الذي ترتعيه بهيمة الأنعام، التي جعلها الله منافع لبني آدم؛ يقول الله ذو الجلال والإكرام: {أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون ٧١ وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ٧٢ ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون ٧٣}⁣[يس]. وقال سبحانه وهو يذكر نعمته على البشر، بما جعل في الأرض من المعايش لهم، وإحسانه تعالى إليهم، وبما كفاهم من أرزاق ما أعطاهم، من بهيمة الأنعام وخولهم، فقال: {وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين ٢٠}⁣[الحجر]، وما ذكر سبحانه من شبه الرعي إذا خرج وبدا - بما هو له شبيه من خفيف الغثاء، والغثاء: القذى الصغار الخفاف الذي على السيل إذا جرى، والأحوى فهو: الأصفر من أطرافه، وكذلك الرعي فهو يخرج إذا بدا، بنبت أصفر من جوانب ورقه، والعرب تدعو الشاة إذا كان خداها أصفرين: حوى، وهم على هذا في اللسان مجتمعون غير مختلفين.

  ثم قال سبحانه: {سنقرئك فلا تنسى ٦}، وتفسير {سنقرئك} - والله أعلم -: سنعلمك القرآن، ونقص عليك فيه العلوم والأخبار. {فلا تنسى} أي: فلا تكن ناسيا؛ أمرا منه سبحانه لنبيئه بأن يكون ذاكرا، لا غافلا ولا متوانيا.

  يقول الله سبحانه: {إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى ٧}؛ إخبارا عن قدرته على أن ينسي إن شاء الله من خلقه ما أراد أن ينسيه، ولا يكون ذلك إلا بأمر وعلة من العلل؛ لحكمة الله وعدله يوجب ذلك عليه. والله - كما قال سبحانه الذي يعلم جهر من جهر، وسر من أسر.

  ثم قال سبحانه: {ونيسرك لليسرى ٨}؛ تبشيرا منه تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وآله بأنه سييسره لكل يسر ويسرى، في دينه ودنياه وما يرتضيه.