قوله تعالى: {قد أفلح من تزكى 14}
  ثم أمره سبحانه بالتذكير للعباد بما أمره بتذكيرهم به من نعمه وآياته، والمرجع إليه والمعاد، فقال: {فذكر إن نفعت الذكرى ٩}، يقول سبحانه: إن نفعت الذكرى فيهم؛ لما هم عليه من غفلتهم ومعاصيهم.
  ثم أخبر بمن يصير إلى التذكر الذي هو الذكر، فأخبر: أنه من خشي من خلقه واتقى، وأن الذي يتجنب الذكرى - هو من خلقه: الأشقى؛ فأخبر: أن الأشقى الذي لا يصير إلى الذكرى - هو: الذي يصلى النار الكبرى، والنار الكبرى: نار جهنم التي لا يشبهها نار من النيران في العظم، والتي هي أبدا تلهب وتضطرم؛ نسأل الله بعفوه ورحمته: أن يعيذنا وإياكم عنها، وأن يسلمنا بمنه وفضله، ويسلمكم منها.
  قال الله سبحانه وهو يذكر من يصلى النار الكبرى: {ثم لا يموت فيها ولا يحيى ١٣}، وكذلك من كان في تلك النار من الكفرة: فليس بميت ولا حي؛ لأنه من حريقها - نعوذ بالله منها - وعذابها في أخزى الخزي، {لا يقضى عليهم فيموتوا}[فاطر: ٣٦]، فينقطع عنه ما هو فيه؛ بل العذاب في النار والخزي والهوان دائم عليه، فليست حياته فيها بحياة؛ إذ لم يكن له فيها إلا العذاب الذي أخزاه.
  يقول الله سبحانه: {قد أفلح من تزكى ١٤ وذكر اسم ربه فصلى ١٥}، وهذا من القول والخبر - صدق مفهوم المعنى.
  ثم أخبر سبحانه بأثرة من يؤثر الحياة الدنيا، التي تنقضي وشيكا وتفنى، على دار الآخرة التي ليس للحياة فيها غاية ولا انقضاء، كل من فيها فمخلد من المطيعين والعاصين في داره، إن كان من أهل الجنة ففي الجنة، أو من أهل النار ففي النار، فقال تعالى: {بل تؤثرون الحياة الدنيا ١٦ والآخرة خير وأبقى ١٧}.
  {إن هذا لفي الصحف الأولى ١٨ صحف إبراهيم وموسى ١٩}،