تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

سورة البلد

صفحة 424 - الجزء 3

  واحدا، إذ خلق سبحانه منه نسلا كثيرا وولدا، بأعجب الأسباب والتدبير، وأدل الدلائل على قدرة الله القدير، فأخرج من الوالد الواحد الفرد النسل الكثير ذا الألوف من العدد، بنطفة مني تمنى، باجتماع الزوجين الذكر والأنثى، وتصريف تدبير الله لتلك النطفة، إذ صارت في الرحم - فيما يصرفها فيه من التصاريف: بينما هي في الرحم نطفة إذ خلق النطفة علقة، ثم خلق النطفة العلقة مضغة، فخلق المضغة عظاما، فكسا العظام لحما، ثم أنشأه خلقا آخر، آيات من الله بعد آيات، ودلالة منه سبحانه لخلقه على ربوبيته وقدرته بعد دلالات؛ قال الله تبارك وتعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ١٢ ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ١٣ ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ١٤}⁣[المؤمنون]. ولما كان الوالد وما كان منه من النسل فيهما عجب من آيات الله عجيب، ودلالة من دلائل قدرته وحكمته، يفهمهما المفكر اللبيب - أقسم تبارك وتعالى بهما؛ لما أظهر من حكيم تدبيره فيهما.

  واعلموا - رحمكم الله -: أن كل ما أقسم الله سبحانه من الإقسام به، منهما ومن غيرهما من أقسامه كلها في كتابه - فعجب والحمد لله عجيب، وصواب عند الله لأولي الألباب مصيب؛ لأن الله تبارك وتعالى أعلى من كل علي، وأنه في الارتفاع والعظمة فوق كل شيء، فليس شيء في جميع الأشياء - إلا والله أعظم منه وأكبر وأعلى؛ فلم يكن ليكون القسم من الله سبحانه إلا بخلقه؛ إذ ليس شيء من الأشياء من فوقه، والله سبحانه فوق كل شيء، ورب كل شيء، موات وحي.

  وكذلك ما أقسم بما أقسم به من آياته، وخلقه وصنعه - دلالة للخلق على عظمته سبحانه وعلوه وارتفاعه، وأنه ليس من فوقه ما يقسم به؛ لأنه الله رب كل شيء وخالقه، ومليك كل شيء في السموات والأرض ورازقه؛ ولا يقسم