تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

سورة البلد

صفحة 427 - الجزء 3

  وأحبها ورغب الناس فيها، من فك الرقبة، والإطعام في اليوم ذي المسغبة، لليتيم ذي المقربة، والمسكين ذي المتربة - شديدا تجشمها وتكلفها على من يبخل، ولما كان تكلفها على أكثر الناس مما يشتد ويثقل - سماها الله تبارك وتعالى: العقبة، وأخبر بما جعل لمن تكلف شدتها وثقلها من كريم الجزاء والمثوبة.

  والإطعام في اليوم ذي المسغبة فهو: الإطعام في يوم الجوع والأزمة؛ فهي: الجدب والضرورة والحطمة؛ لأن الجوع بعينه في اللسان هو: السغب، وبذلك قديما وحديثا كانت تسميه العرب؛ فأمر الله سبحانه: بالإطعام في اليوم ذي المسغبة، ورغب فيه تبارك وتعالى أكثر الرغبة.

  ودل بقوله: {يتيما ذا مقربة ١٥} على: أن أفضل ما يتقرب به من أطعم: قربة إطعام أيتام ذي الرحم والقرابة.

  والمساكين الفقراء فهو: ذو المتربة، والمتربة من المساكين فهو: ذو الحاجة الملحة الشديدة، الذي ليس له معاش ولا بلغة، قد أفضى إلى التراب من شدة فقره، ووصل إليه من الحاجة والعري الذي هو فيه، وإنما سماه جميع من عرف اللسان العربية: متتربا؛ لأنه قد أفضى من شدة الفقر إلى التراب إفضاء متتربا.

  ثم أخبر الله تبارك وتعالى بقوله: {ثم كان من الذين آمنوا}، بعدما رغب فيما دعا إليه، من إطعام ذوي المسغبة، وأيتام القرابات: أنه إنما يقبل فعل ما تقرب إليه - بالإيمان الذي معناه: ترك كبائر معاصيه. ثم ذكر الله سبحانه: الصبر على فعل ما أمر به، وجعل الصبر من أحسن ما دل عليه في كتابه، فقال: {وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ١٧}، والمرحمة فهي: التراحم بين المؤمنين، والتعاطف بينهم بالرحمة؛ لأن الله سبحانه رحيم يحب الرحماء، كريم فوق كل كريم يحب الكرماء.