سورة البلد
  المتراكم الكثير الوافر، الذي بعضه على بعض، وفي آثار بعض، يفهم هذا فيه المفكر الناظر.
  ثم قال سبحانه: {ألم نجعل له عينين ٨ ولسانا وشفتين ٩}؛ تذكيرا من الله للإنسان، بنعمته عليه في العينين واللسان والشفتين؛ لما فيهن من القوة والمعونة، على فعل البر والتقوى والإحسان، وما جعل له من القوة والمعونة بالعينين واللسان على تقواه، والوصول بذلك إلى قبول ما نزل من نوره وهداه، وما ينال الإنسان بذلك أيضا مما أحل له من منافع دنياه؛ فسبحان من خلق الإنسان وفطره وأنشأه، وأراه من حكمته في تسوية خلقه ما أراه؛ قال الله سبحانه: {ياأيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ٦ الذي خلقك فسواك فعدلك ٧ في أي صورة ما شاء ركبك ٨}[الانفطار].
  ثم قال تبارك وتعالى: {وهديناه النجدين ١٠}، فالنجد من الأشياء فهو: الظاهر العالي الذي لا يخفى؛ ولذلك ما قيل لما برز من الأرض وعلا: نجدا؛ إذ ذلك إذا كان المكان من البلاد بارزا مرتفعا - قيل: «إن تلك الأرض لنجد من الأنجاد»؛ دلالة على أنها ظاهرة بارزة من البلاد. وما ذكر الله سبحانه من هدايته للنجدين فهما - والله أعلم -: الطريقان في مصالح الدنيا والدين، اللتان جعلهما الله ظاهرين غير خفيين، ولذلك ما دعيا بهذا الاسم من: النجدين؛ إذ كانا قد هدى إليهما وكانا بارزين.
  ثم قال سبحانه: {فلا اقتحم العقبة ١١ وما أدراك ما العقبة ١٢ فك رقبة ١٣ أو إطعام في يوم ذي مسغبة ١٤ يتيما ذا مقربة ١٥ أو مسكينا ذا متربة ١٦}، فالعقبة والله أعلم، عند من يعرف اللسان العربي ويفهم - فهي: الشديدة من الأشياء، ولذلك ما سمي العقب في الأبدان: عقبا، ولذلك ما سمى اللسان العربي الطرق التي في رؤوس الجبال: عقابا، يراد: أنها كانت مكروهة لشدتها صعابا؛ فلما كانت هذه الأفعال التي دل الله تبارك وتعالى عليها، ورضيها