قوله تعالى: {قد أفلح من زكاها 9}
  أفلح من زكاها ٩ وقد خاب من دساها ١٠}، وتأويل تزكيتها هو: تطهرتها، وتأويل تدسيتها فهو من: تطغيتها.
  ثم ذكر تبارك وتعالى من دساها، من سالف الأمم في الفجور فأطغاها، فقال سبحانه: {كذبت ثمود بطغواها ١١}، تأويله: بعتاها وغواها.
  {إذ انبعث أشقاها ١٢}، وتأويله: إذ قام أخزاها؛ لشقوته وشؤمه، وبرضاء قومه وعشيرته. والأشقى فقد يكون إنسانا واحدا، أو يكون جماعة عدة؛ وأي ذلك قيل به - كانت المقالة في الصدق والمعنى واحد، كما يقال: «أشقى هذه قبيلة فلان، وأشقى هذه قبيلة فلان»، فيكون ذلك كله واحدا في الدلالة والبيان. ويدل على أن أشقاهم ليس بواحد منهم قوله سبحانه: {فقال لهم}، فلو كان واحدا منهم - لقال: «فقال له»، وقوله: {فدمدم عليهم ربهم بذنبهم}، فلو كان الأشقى واحدا منهم - لقال: «فدمدم عليه ربه»، ولقال أيضا: «بذنبه»، ولم يقل: {بذنبهم}؛ إذ هو واحد منهم، ولقال: «عقرها»، ولم يقل: {عقروها} إذا لم يكن إلا من واحد عقرها.
  وقد قال غيرنا: إن عاقر الناقة كان إنسانا واحدا، ليس بجماعة، وذكروا فيما في أيديهم من الأخبار: أن عاقرها يسمى بـ: «قدار».
  وتكذيب ثمود فإنما كان - بما وعدها صالح صلى الله عليه إن عقرت الناقة، من: عذاب قريب أليم، - لا تكذيبها بما لم تزل به مكذبة قديما قبل عقر الناقة، من عذاب الجحيم -، إذ يزجرها صالح صلى الله عليه وينهاها، عما أتت في عقر الناقة بطغواها، إذ يقول لهم: {ناقة الله وسقياها ١٣ فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ١٤ ولا يخاف عقباها ١٥}.
  فتأويل ما ذكر الله من السقيا - هو: ما أعطى الله من لبن الناقة وسقى؛ ومما يدل على ذلك: قول الله سبحانه في الأنعام، وهي الآبال: {وإن لكم في الأنعام