تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

سورة البينة

صفحة 458 - الجزء 3

  أشرك مع الله؛ فإنما أولئك عند من يعقل كالبهائم السائمة، وإن لزمتهم الحجة بما جعل الله لهم من الجوارح السالمة، التي قطع الله بها عذرهم، وألزمهم بها كفرهم.

  وأولئك فليس ممن ذكر في سورة لم يكن، وإنما ذكر فيها من يقر برب وإن لم يؤمن، من كفرة أهل الكتاب والمشركين، فقال سبحانه: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين}، والانفكاك والفك هو: المجانبة لما هم عليه والترك، وتركهم فهو: لإشراكهم، وانفكاكهم من عقد شركهم، وفريتهم فيه على الله وإفكهم. وتأويل {كفروا} فهو: لم يشكروا؛ لأن من لم يشكر الله تبارك اسمه بترك عصيانه - فكافر وإن كان مقرا ومعتقدا لمعرفة الله وإيقانه، كإبليس الذي ذكر الله سبحانه معرفته به، وذكر كفره لما ارتكب من الكبائر بربه، وكذلك: كل من ارتكب كبائر تسخط من أحسن إليه - فقد كفره، ومن أتى ما يرضاه، وتولى أولياءه، وعادى أعداءه - فقد شكره. ولما جمع أهل الكتاب والمشركين من كبائر عصيان رب العالمين - دعوا جميعا: كفرة، وإن كانت قلوبهم كلهم وألسنتهم بالله مقرة، فقال: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين}، تأويل ذلك: أنهم لم يكونوا مقصرين، ولا تاركين لما هم عليه، وعاصين لله فيه.

  {حتى تأتيهم البينة ١} المنيرة الظاهرة؛ فقال: {رسول من الله يتلو صحفا مطهرة ٢}، و {يتلو}: يقرأ، ويتبع بعد القراءة ما اقترأ، والصحف: ما صحف ليقرأ، والمطهرة: ما جعل منها بركة وتطهرة، وبينات منيرة مسفرة. وكل مطهر: فمبارك، وكل مبارك: فمطهر له، وفيه بالله البركة والتطهرة؛ وكذلك يقال في الرسول عليه الصلاة والسلام، إذا ذكر بما جعل الله من البركة فيه: «رسول الله الطيب الطاهر»، وهو قول الكثير عند ذكره الطاهر، عندما يذكره بذلك ÷ من الصادقين كل ذاكر، وإنما يراد بذلك: