تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

سورة البينة

صفحة 459 - الجزء 3

  المبارك المزكى، وليس يراد بذلك طهارته بالماء إذا توضأ. وكذلك يقال في ابنته فاطمة صلوات الله عليها، إذا قيل: «الطاهرة» إنما يراد بذلك: ما جعل من البركة فيها، ومن ذلك: ما وهب لها وجعل؛ لبركتها، من بقية رسول الله ÷، ونسله ~ وعلى آله. فهذا - والله محمود - من تأويل الطهارة و {مطهرة}، ومن وجوهه المعروفة غير المستنكرة؛ لا يجهل ذلك - إن شاء الله - ولا ينكره، من يعرف لسان العرب ويبصره.

  وتأويل: {فيها كتب قيمة ٣} هو: كتب منيرة، بينة محكمة، لها نور وبرهان واحتجاج، ليس فيها اختلاف ولا اعوجاج.

  ثم ذكر سبحانه: ما ذكرنا من افتراق أهل الكتاب واختلافهم، وما هم عليه اليوم وقبل اليوم بتشتيت أصنافهم، فقال تبارك وتعالى: {وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ٤}، والبينة فهي: الرسل، والأمور التي جاءتهم النيرة المبينة، وهي: التي ليس فيها دلسة، ولا عماية جليلة ولا لبسة؛ ولكنها بينة نيرة مضيئة، ظاهرة لمن يعقلها جلية؛ ألا تسمع كيف يقول سبحانه: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء}؛ فأمروا ليعبدوه - جل ثناؤه - وحده، فعبدت النصارى المسيح رسوله وعبده، وأمروا ليخلصوا له الدين، ولا يجعلوا له ولدا؛ فجعلوا له ولدا، وجعلوه كلهم ثالث ثلاثة عددا؛ وفيهم: ما يقول سبحانه: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد}⁣[المائدة: ٧٣]؛ فهو الله الأحد الصمد، الذي ليس له ولد ولا والد. وقالت اليهود كما قال الله ، عن أن يساويه شيء ويماثله: {عزير ابن الله}⁣[التوبة: ٣٠]، فلحقوا بالنصارى في الكفر بالله، وشبهوا الله ببعض حالات خلقه في الهيئة والقوى، وزعموا: أنه جالس على عرش هو سرير، وأنه لا يتوهم له قرار في جو ولا هواء؛ فإن له مقعدا من العرش والكرسي ومستوى. وتأول من شبهه من هذه الأمة في ذلك: ما يقول الله سبحانه: {الرحمن على