تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}

صفحة 18 - الجزء 1

  لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون}؛ فلو كان هو المانع لهم لقالوا: لأنك منعتنا من ذلك بختمك على قلوبنا وسمعنا، وجعلت على أبصارنا غشاوة، وكذلك قوله: {وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى}، وكذلك قوله لإبليس: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين}، فلم يقل: لأنك منعتني من ذلك؛ ولكن قال: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين}.

  فمعنى الختم وما كان مثله: الشهادة من الله عليهم؛ لما علم منهم ومن قلوبهم أنها لا تبصر، ومن آذانهم أنها لا تسمع أبدا، ويدل على تحقيق ذلك: أول الآية وآخرها؛ فإنه سبحانه قال: {إن الذين كفروا سواء عليهم}، إلى قوله: {ولهم عذاب عظيم}، فشهد بهذا القول على قلوبهم أنها لا تؤمن أبدا، وعلى أبصارهم أنها لا تبصر أبدا، وعلى أسماعهم مثل ذلك؛ لما عرفه - جل ذكره - من سوء نياتهم واستكبارهم، وذلك ما شهد به مما علمه من قوم نوح؛ فقال: {إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن}، ولم يقل: إني أنا الذي منعتهم من الإيمان، وفيما بينت كفاية إن شاء الله.

  ووجه آخر: وهو أنه لما علم سبحانه أنهم لا يؤمنون مخلدين أبدا، جعل خاتمة أعمالهم قلوبهم، وحكم عليها بأنها لا تفلح ولا تصلح، وجعل لهم العذاب الأليم؛ {كما لم يؤمنوا به أول مرة} و {بما كانوا يكذبون}، وإنما أخبر سبحانه وشهد عليهم بما عرف من أعمالهم واصرارهم على معاصيه كما خبر عن علمه بقوله: {ولو ترى إذ وقفوا على النار}، الى قوله: {وإنهم لكاذبون}، فبأعمالهم الردية ختم على قلوبهم وعلى سمعهم أنها لا تؤمن أبدا.