قوله تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين 8 يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون 9 في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون 10}
  شغلهم، وأخبر بنفاقهم وتوهيمهم ما أوهموا نبيه صلى الله عليه وآله من إحقاقهم فيما طلبوا منه، من الاستغفار لهم، والصفح في ذلك عنهم؛ فأمره الله سبحانه أن يخبرهم أن استغفاره لهم غير دافع عقوبة الله عنهم إذا أراد الله الانتقام في ذلك منهم؛ فقال سبحانه: {قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا}[الفتح: ١١]، ثم أخبر نبيه صلى الله عليه وآله من أمورهم: بما كانوا يتوهمون أنه قد غبي عليه علمه، مما كانوا ظنوه وأجنوه في صدورهم؛ فقال ذو المعارج والجلال: {بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا}[الفتح: ١٢]، فأخبرهم سبحانه بما ظنوا من الظن القبيح في الرسول والمؤمنين وتوهموا، وما زين في قلوبهم الشيطان من ذلك وأملى، وأنهم كانوا في ذلك قوما بورا.
  وأما قوله ﷻ، وتقدس عن أن يحويه قول ويشبهه شيء أو يناله: {في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون} - فقد يخرج على معنيين، وكلاهما - إن شاء الله - للحق مضاف.
  فأما أحدهما: فأن يكون المرض الذي في قلوبهم هو: الشك الذي هم فيه يلعبون، من جحدانهم لما يرون من آيات ربهم، فقلوبهم لذلك مريضة، فلا يؤدون لله سبحانه من فرائضه فريضة، فهم في شكهم ولعبهم يترددون، وفي خطيئاتهم وطخياء(١) حيرتهم يعمهون، كما قال سبحانه: {بل هم في شك يلعبون}[الدخان ٩].
  فقد تكون زيادة الله لهم من المرض الذي ذكر أنه في قلوبهم؛ لشكهم
(١) قال في القاموس المحيط: والطخياء: الليلة المظلمة، ومن الكلام: ما لا يفهم. وظلام طاخ: شديد. اهـ وهنا: مجاز.