قوله تعالى: {ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين 178}
  الصانع لهم المبتدع؛ ففعل الله بريء من فعلهم، فيما كان من الإملاء لهم؛ فعل الله: تأخير وإملاء، وفعلهم: ازدياد واعتداء، وبين ذلك فرق، لا يجهله إلا أحمق.
  وفي مجموع المرتضى بن الهادي @، وقد سئل عن الآية، فأجاب بما أجاب به الإمام القاسم # بلفظه.
  وقال في المجموعة الفاخرة:
  وأما ما سأل عنه من قول الله ﷻ، عن أن يحويه قول أو يناله: {ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين}، فقال: إن الله أملى لهم ليزدادوا في الكفر والإجتراء عليه؟
  وليس ذلك كما قال، بل قوله أحول المحال، وسنشرح ذلك - والقوة بالله - ونفسره، ونذكر ما أراد الله - إن شاء الله - به، فنقول: إن معنى إملائه لهم هو: لأن لا يزدادوا إثما، وليتوبوا ويرجعوا، ومن وسن ضلالتهم ينتبهوا؛ لا ما يقول أهل الجهالة، ممن تحير وتكمه في الضلالة: إن الله أملى لهم كي يزدادوا إثما، وضلالة واجتراء؛ وكيف يملي لهم كذلك، وقد نهاهم عن يسير ذلك، فقال: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم}[الحجرات: ١٢]، فنهاهم عن يسير الإثم وقليله؛ فكيف يملي لهم ليزدادوا من عظيمه وكثيره؟
  فأما قوله: {ليزدادوا إثما}؛ فإنما أراد سبحانه: لأن لا يزدادوا إثما؛ فطرح «لا» وهو يريدها، فخرج لفظ الكلام لفظ إخبار، ومعناه معنى نفي؛ والعرب تطرحها وهي تريدها، وتثبتها وهي لا تريدها؛ قال الله سبحانه: {لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم}[الحديد: ١٩]، فقال: «لئلا»؛ فأثبت «لا» وهو لا يريدها، فخرج لفظ الكلام لفظ إيجاب، ومعناه معنى نفي؛ أراد الله سبحانه: ليعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل الله؛ وهذا فموجود في أشعارهم، مثبت في أخبارهم؛ قال الشاعر: