قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما 93}
  فليس من أهل العقاب، ولا يجوز أن ينسب إلى العذاب؛ لأن من صح له اسم الايمان فمستوجب من الله الثواب؛ فلذلك قلنا: إن أهل الإجتراء على كبائر العصيان ليسوا عند الله ولا في حكمه من أهل الايمان.
  ثم نقول من بعد ذلك: إن الكفر على معنيين، فأحدهما: كفر شرك، وجحدان لله سبحانه، وللنبي وللفرقان؛ فسواء من أنكر الله في ذاته، أو أنكر خلقه لسماواته، أو جحد أنبيائه ورسالاته؛ لأن من أنكر شيئا من فعله فقد أنكره بإنكار صنعه؛ لأن من قال لما فعله الله: «لم يفعله» - فقد زعم وأوجب أن غير الله فعله، ومن قال: إن غير الله فعل فعل الله فهو منكر في قوله لله؛ لأنه يعبد من لم يفعل ذلك الشيء الذي أنكره، والله سبحانه هو الذي صنعه؛ فقد صح: أن من أنكر فعل الله فقد أنكر الله، ومن لم يقر بصنعه فقد كفر به.
  والوجه الثاني فهو: كفر النعم؛ بالعصيان للواحد ذي الكرم والإحسان، ومن كفر نعم الله فهو فاسق في دين الله؛ بكفرانه لنعم الله، ومن كانت حاله كذلك كان بعيدا من اسم الايمان، قريبا داخلا مستحقا لاسم الفجور والفسوق والعصيان؛ ألا تسمع كيف ميز الله سبحانه بين المؤمنين والفاسقين، فلم يجمع بينهم بالفعل ولا في الاسم أحكم الحاكمين؛ بل أخبر أنهما شيئان مختلفان، واسمان متضادان متباينان في المعنى والجزاء، فنسب المؤمن إلى ما حكم به من الثواب، ونسب الفاسق إلى ما أعد له من أليم العقاب، فقال فيما نزل من الكتاب: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون}، وفي ذلك ما يقول الله تبارك وتعالى: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}، يقول سبحانه: {تأذن ربكم}، يريد: حكم ربكم لئن شكرتموني، فعملتم بطاعتي، واتبعتم مرضاتي