قوله تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا 97}
  وإمكان المحال التي تبعد عنهم، وإمكان المراغمة، وهي: الاعتزال لجوار الأثمة والمغايضة؛ ففي ذلك الرضى لله سبحانه، وإن كرهه الفجرة وأرغمهم وغمهم؛ فهذا أصل كان عنده(١) أيضا من الأصول، كان يراه فرضا لازما، على كل مؤمن يضعف عن إنكار منكر العاصين: أن يكون بالنقلة عنهم، والتباعد منهم لهم من المهاجرين؛ ولذلك ما كان لزم الجبال، وصبر على الوحدة وشظف العيش، وترك المدن ومرافقها، وتقرب إلى الله تعالى، حتى توفي ¥ في رأس جبل من الجبال، ولم يزل صابرا فيه ومنه على ضيق المعاش وشدة الحال؛ فرحمة الله عليه وبركاته، وقبل الله منه ما تقرب به إليه من اعتزاله إليه.
  وقال في مجموع كتب ورسائل الإمام المرتضى بن الهادي #:
  وسألت: عن قول الله سبحانه: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها}؟
  قال محمد بن يحيى #: معنى {توفاهم الملائكة} فهو: عند حضور الأجل، وانقطاع الأمل، وخروج نفس المتوفى، وما ينزل من الموت لجميع الأحياء، ثم قال: {ظالمي أنفسهم}، يقول ø: يتوفى أنفسهم وهم ظالمون لها؛ بما اجترموه من أفعالهم، وكانوا فيه من المخالفة لربهم؛ فأهلكوا أنفسهم، وقد كانوا قادرين على إيصالها إلى الثواب، والنجاة لها من أليم العقاب، فلم يفعلوا، واتبعوا الهوى، وارتكبوا الردى، فكانوا بذلك ظالمين، وبتقصيرهم في أمر الله من الهالكين.
  ثم أخبر ø عما يعتذرون به في الآخرة من قولهم: {كنا مستضعفين في
(١) الضمير في: «عنده» المراد به والده، الإمام القاسم بن إبراهيم #؛ فإنه قد ذكره في أول هذا البحث الذي أخذنا منه هذا الكلام.