قوله تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا 97}
  الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها}، فلم يجعل الله فيما احتجوا به من ذلك لهم حجة ولا عذرا؛ بل كان ذلك عليهم نقمة، وإلى العذاب ذريعة؛ فهذه الآية فجوابها يطول، ولها معاني يوفق الله لها من قصده من عباده، وهي توجب على الخلق أسبابا لا يقوم بها إلا من امتحن الله قلبه، وشرح بالإيمان صدره؛ والقليل المجزي لمن قبله خير من الكثير الغزير لمن لا ينتفع به، وقد أعطيناك فيها جملة، وهي للهجرة ملزمة، وعن دار الفسق والكفر للعزلة موجبة؛ فنسأل الله التوفيق لما يرضيه، ويقرب من الأمور إليه.
  وذكرت السكنى مع الظالمين، والكينونة بينهم، وقد أجبنا في هذا بجواب شاف عندك في «كتاب الإيضاح»، والقول واحد لا يختلف، ومعاشرة الظالمين فحرام، ومكاونتهم من أعظم الآثام.
  وقال في مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن محمد # في سياق الاستدلال على تحريم تسليم الأموال للظالمين ما لفظه:
  ومما يدل على تحريم تسليم الأموال إليهم: قوله تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا}.
  ووجه الاستدلال بهذه الآية: أن المراد بها: الذين أخلوا بالفرائض التي افترضها الله سبحانه وتعالى أو بعضها؛ لكونهم مستضعفين، وهم متمكنون من الهجرة؛ بدليل الوعيد في آخرها، وهو لا يكون إلا لمن أخل بما افترض الله سبحانه من القيام بالواجب، أو ترك القبيح، وهو يتمكن من القيام بهما، كأن يهاجر.
  ومن جملة ما افترض الله تعالى: تجنب مشاهدة المعاصي، حين تفعل إلا لتغييرها، بدليل قوله ÷: «لا يحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير أو تنتقل»، ونحو ذلك؛ فلما ثبت الوعيد لمن لم يتجنب مشاهدة المعاصي ولم