قوله تعالى: {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب 4}
  الكلب بعضه، وأدرك صاحبه بعضه، فلا بأس بأكل ما فضل منه؛ وكذلك روي في الأثر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
  فأما الصقر، والبازي، والشاهين، وجميع الجوارح - فما قتلت فليس بذكي؛ لأنها لا تأتمر إذا أمرت، ولا تأتي إذا دعيت لغير طعم، ولا تذهب إذا أمرت، والكلاب تأتي إذا دعيت، وتذهب إذا زجرت، وذلك فهو التكليب بعينه؛ لأن التكليب فهو: الائتمار، وما سمينا من جوارح الطير فلا تأتمر، وإنما يأتي إلى الطعم إذا رآه، ويطير إلى صيد إذا أبصره، في وقت جوعه، وحاجته إلى طعمه؛ طلبا منه لقوته، فإذا شبع لم يطرد إن طرد، ولم يرجع إلى صاحبه إن دعاه، وما كان هكذا فهو بعيد من الائتمار، وما بعد من الائتمار بعد من التكليب.
  وأما الفهد: فإن كان في الحالة كالكلب في ائتماره، في إقباله وإدباره، وإغرائه وتكليبه، في حال شعبه وجوعه - فحال صيده كحال صيد الكلب، وإن كان مخالفا للكلب في معاني الائتمار والتكليب - فالآكل لما قتل غير مصيب.
  حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عما قتل الكلب والصقر، فقال: ما قتل الكلب المعلم فحلال عندي أكله، وذكاة ما قتل الكلب المعلم فهو قتله له، ويؤكل ما قتل، وإن كان أكله إلا أقله، ولا أعلم فيما أجبتك به في هذا اختلافا بين أحد من الناس، إلا شيئا ذكر فيه من خلاف عن ابن عباس؛ فإنه ذكر عنه أنه كان يقول: «لا يؤكل ما أكل الكلب المعلم من صيده؛ فإنه إنما أمسك الصيد إذا أكله على نفسه لا على مرسله»، وظننت أن ابن عباس تأول في ذلك قول الله جل ثناؤه: {فكلوا مما أمسكن عليكم}، فكأنه عند ابن عباس أكله له، غير إمساك منه على مرسله. وهو عندي قد يمسك بالقتل أكبر الإمساك، والمذكور المشهور: أن عدي بن حاتم، وأبا ثعلبة الخشني سألا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن: أكل الكلب المعلم، يأكل من صيده؟ فأمرهما بأكل فضلة الكلب. وقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إلا ابن عباس وحده من