تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {ياأيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم 41}

صفحة 322 - الجزء 1

  {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}، يقول: لا أعذب من أعلم أنه يتوب ويستغفر، وقال جل ذكره: {ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون}، يقول: لو علمت أنهم يقبلون لأسمعتهم ما طلبوا، وأريتهم من الآيات ما سألوا، وقال: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون}؛ فهذا وأشباهه في القرآن كثير، يعلم الله جل ذكره: أنه عالم باختيارهم معاصيه، وعاقبة أمرهم، وأنهم لا يتوبون مختارين غير مضطرين، وأنه لا يعذب من يعلم أنه يتوب، ويرجع عن كفره وضلاله.

  وأما قوله سبحانه: {أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم} ... الآية، فمعنى ذلك: أنه لا يريد: أن يحكم لقلوبهم بالطهارة والإيمان، وهي كافرة، ولا يشهد لها بالطهارة، وهي نجسه، ولا يزكيها، وإنما صاروا بهذه المنزلة؛ لكفرهم وشركهم الذي اختاروه، وأصروا عليه، ولو أنهم آمنوا واتقوا لحكم لهم سبحانه بالطهارة والعدالة، كما حكم بمثل ذلك لسائر من آمن به واتقاه؛ ومثل هذا مما يتعامل به الناس في اللغة: أن يقول قائل لبعض الفسقة: «إنه طاهر زكي»، فيقول قائل آخر: «أنت تريد أن تزكي هذا الفاسق، وتعدله، وتشهد له بالطهارة، وهو فاسق دنس»، والله لا يريد ذلك؛ فله الحمد، وتفسير أول الآية دليل على ما فسرناه: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم}، إلى قوله: {يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا}، فأعلم جل ذكره: أن هذه الأفعال الردية منهم، لا منه، ولا بمشيئته، ولا رضاه، وأنها كسبهم لا بإجبار منه لهم عليها.

  ثم قال سبحانه: {ومن يرد الله فتنته}، أي: عذابه فلن يمكنك رد عذاب الله عنهم، ثم قال: {أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم}، أي: لم يرد أن يحكم لهم بالطهارة، وهي مصرة على خلافه وخلاف رسوله #.

  ثم ختم ذلك بأن قال: {لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم