قوله تعالى: {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام}
  وقال في كتاب الأحكام للإمام الهادي يحيى بن الحسين #:
  وذلك أن قصي بن كلاب كان أول من بحر وسيب، ووصل وحمى، ثم اتبعته على ذلك قريش، ومن كان على دينها من العرب، وكانوا يجعلون ذلك نذرا، ويزعمون أن الله حكم به حكما؛ فأكذب الله في ذلك قولهم، وقول إخوانهم المجبرة، الذين نسبوا إلى الله كل عظيمة، وقالوا: إنه قضى عليهم بكل معصية، وأدخلهم في كل فاحشة، فقال: {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام}، فنفى أن يكون جعل ذلك فيهم، أو قضى به سبحانه عليهم؛ إكذابا منه لمن رماه بفعله، ونسب إليه سيئات صنعه؛ فانتفى سبحانه من ذلك، ونسبه إلى أهله، ثم ذكر أنهم يفترون عليه الكذب، فقال: {ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون}؛ فصدق الله سبحانه، إنه لبرى ء من أفعالهم، متعال عن ظلمهم وفسادهم، بعيد من القضاء عليهم بغير ما أمرهم، ناء عن إدخالهم فيما عنه نهاهم.
  والبحيرة التي كانوا جعلوها فهي: الناقة من الإبل، كانت إذا ولدت خمسة أبطن، فنتجت الخامس سقبا، وهو الذكر - ذبحوه، فأهدوه للذين يقومون على آلهتهم، وإن كانت أنثى استبقوها، وغذوها، وشرموا أذنها، وسموها بحيرة، ثم لا يجوز لهم بعد ذلك أن يدفعوها في دية، ولا يحلبوا لها لبنا، ولا يجزوا لها وبرا، إلا أن يحلبوا لبنها إن خافوا على ضرعها في البطحاء، وإن جزوها - جزوها في يوم ريح عاصف، ويذرون وبرها في الرياح، ولا يحملون على ظهرها، ويخلون سبيلها، تذهب حيث شاءت، وإن ماتت اشترك في لحمها النساء والرجال، فأكلوه.
  وأما السائبة فهي: من الإبل، كان الرجل منهم إذا مرض فشفي، أو سافر فأدى، أو سأل شيئا فأعطى - سيب من إبله ما أراد أن يسيبه؛ شكرا لله، ويسميها سائبة، ويخليها تذهب حيث شاءت، مثل البحيرة، ولا تمنع من كلاء، ولا حوض ماء، ولا مرعى.