تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين 110}

صفحة 362 - الجزء 1

  فقولنا في ذلك: أن الله لم يكف أيديهم عنه جبرا؛ ولكنه ألقى في قلوبهم الهيبة له، ولمن معه من الحواريين، وأعلم نبيه صلى الله عليه بما يريدون منه، وما يريدون فيه، فحذرهم، واستعد بمن معه لهم، فخافوهم وحذروهم، فلاشى عزيمتهم، وأبطل في ذلك إرادتهم، ومن على نبيه صلى الله عليه بما ألقى له وللحق في قلوبهم من الهيبة والمخافة، فرجعوا خائبين، ومما أرادوا مؤيسين، وأعز الله سبحانه المؤمنين، وكبت الفاسقين.

  فهذا - إن شاء الله - معنى ما ذكر الله، من كف أيديهم عن عيسى بن مريم صلى الله عليه نبيهم، والمظهر للحق فيهم، والمطلق لهم بعض الذي حرم عليهم، المبريء لأكمههم وأبرصهم، الشافي لسقيمهم، والمحيي لميتهم، والمنبيء لهم عما يأكلون ويدخرون في بيوتهم؛ وتلك أعظم آيات ربهم، وبراهين خالقهم، فلما عتوا عن أمر خالقهم قال حين ذلك نبيهم : {من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله}، وأعوانك وأنصارك وخدامك؛ فآمن معه من بني إسرائيل الحواريون، وكفر سائر الإسرائليين؛ فأيد الله المؤمنين، فأصبحوا - كما قال الله - ظاهرين، حين يقول ø: {يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين}⁣[الصف: ١٤]؛ فهذا قولنا في رب العالمين، لا كقول الجاهلين، الذين نسبوا إلى الله ø أفعال العباد، وقلدوه ما يكون في ذلك من الفساد؛ فتعالى الله الواحد الرحمن، عن زخرف أقاويل الشيطان، المضاهين لمذاهب عبدة الأوثان، وما حكى فيهم الرحمن من قولهم: {لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء} ... الآية [النحل: ٣٥].

  وقال في مجموع كتب ورسائل الإمام المرتضى بن الهادي #:

  وسألت: عن قول الله سبحانه: {إذ أيدتك بروح القدس}، فقلت: ما معنى