تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم}

صفحة 412 - الجزء 1

  قالت المجبرة القدرية: إن الله - جل ذكره - خلق الكفر كفرا، والإيمان إيمانا، والقبيح قبيحا، والحسن حسنا، وخلق جميع الأشياء على ما هي عليه من جورها وعدلها، وحقها وباطلها، وصدقها وكذبها، وأنه لا يقدر على فعل ذلك سواه، واحتجوا لهذا من مذهبهم بقول الله - سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا -: {كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم}، وبقوله: {إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون}، فيتأولون هاتين الآيتين بجهلهم وضلالهم: أن الله - جل ذكره - زين وحسن الكفر للكافرين، والفسق للفاسقين؛ وذلك هو الضلال البعيد؛ لأن الثابت في عقل كل عاقل منصف: أنه زين وحسن ما أمر به ومدحه، ووعد على فعله كريم الثواب، وحسن المآب، والنعيم المقيم، ولم يزين ولم يحسن ما ذمه وذم فاعليه، وزجر عنه وأوعد على فعله التخليد في النار، والعذاب الدائم الأليم، وهم فيسمعون الله - جل ذكره - يقول: {وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم}، ويقول: {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس}، ويعتقدون أن الشركاء والشيطان تزين لهم الباطل الذي هو فعلهم، ولم يزينوا شيئا من الحق، ولا دلوا على شيء من الخير، وكان يجب عليهم: أن يخصوا الله سبحانه بأنه ربما زين الخير والحق الذي أمر به، ودل عليه، ورغب فيه، وشكر فاعليه، ولم يزين ما ذمه، وزجر عنه، وأوعد عليه العذاب الدائم الأليم، حتى يكونوا قد عدلوا في الحكم، وسلموا من الجور والإثم، وقالوا بما يعقله كل ذي عقل، وفي هذا القدر كفاية لمن تدبره، وعقل عن الله إن شاء الله.