تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم}

صفحة 411 - الجزء 1

  فزادهم تأخير ذلك عنهم اجتراء وتكذيبا، ومجانة وافتراء وتزيينا، بصرف ذلك عنهم، [مع] ما هم عليه من أعمالهم، وفاحش قولهم وأفعالهم؛ فكان إملاء الله لهم وتركهم ليرجعوا، أو لتثبت الحجة عليهم، وتنقطع المعذرة إليهم - هو الذين أطمعهم، وزين عملهم لهم؛ فجاز أن يقول: {زينا لهم}؛ إذ قد تفضلنا وأمهلنا، وأحسنا في التأني بكم ورحمنا؛ وكذلك تقول العرب لعبيدها، يقول الرجل لمملوكه، إذا تركه من العقوبة على ذنب من بعد ذنب، وتأنى به وعفى عنه وصفح؛ ليرجع ويصلح؛ فتمادى في العصيان، ولم يشكر من سيده الإحسان؛ فيقول له سيده: أنا زينت لك، وأطمعتك فيما أنت فيه، إذ تركتك وتأنيت بك، ولم أؤاخذك ولم أعاجلك.

  فهذا على مجاز الكلام، المعروف عند أهل الفصاحة والتمام.

  وأما الآية التي في حم السجدة⁣(⁣١) - فكذلك الله أوجد القرناء وخلقهم، ولم يجمع بينهم وبين من أطاعهم، ولم يأمرهم بطاعتهم ولا اتباعهم؛ بل حضهم على مخالفتهم، وأخبر بعداوتهم، ونهاهم عن اتباع الهوى، فقال: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه}⁣[الكهف: ٢٨]، وقال: {ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم}⁣[القلم: ١٠]، وقال فيمن يأمر ويوسوس بالسوء من الشياطين: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا}⁣[فاطر: ٦]، فبين كل ما افترض وأمر به، فلم يترك لذي علة قبله متعلقا، فكان تقييضه لهم ما ذكر من القرناء - هو: تخليته لهم، وتبريه منهم، وترك الدفع لنوازل الأسواء عنهم، وذلك فيما تقدم منهم من الكفر بربهم، والشرك بخالقهم.

  وقال في كتاب البساط للإمام الناصر الأطروش #:


(١) وهي قوله تعالى: {وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم}.