تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون 123}

صفحة 420 - الجزء 1

  وهو معنى نفي؛ قال الله ø: {لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم}⁣[الحديد: ٢٩]، فقال: {لئلا}، فخرج لفظها لفظ نفي، ومعناها معنى إيجاب، فأتى بـ «لا» وهو لا يريدها، وإنما معناها: ليعلم أهل الكتاب، وقال: {إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين}⁣[آل عمران: ١٧٨]، فخرج اللفظ لفظ إيجاب، ومعناها نفي، يريد سبحانه: لئلا يزدادوا إثما، وقال الشاعر:

  ما زال ذو الخيرات لا يقول ... ويصدق القول ولا يحول

  فقال: «لا يقول»، وإنما يريد: يقول، فأدخلها وهو لا يريدها، ووصل بها كلامه؛ ليتم له بيته؛ استخفافا لها، وقال آخر:

  بيوم جدود لا فضحتم أباكم ... وسالمتمو والخيل تدمى شكيمها⁣(⁣١)

  فقال: «لا فضحتم أباكم»، وإنما يريد: فضحتم، فأدخلها وهو لا يريدها، وقال آخر:


(١) قال في العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي (٦/ ٥٧): يوم جدود: غزا الحوفزان، وهو الحارث بن شريك، فأغار على من بالقاعة من بني سعد ابن زيد مناة، فأخذ نعما كثيرا، وسبى فيهنّ الزرقاء من بني ربيع بن الحارث، فأعجب بها وأعجبت به، وكانت خرقاء، فلم يتمالك أن وقع بها، فلما انتهى إلى جدود، منعتهم بنو يربوع بن حنظلة أن يردوا الماء، ورئيسهم عتيبة بن الحارث بن شهاب، فقاتلوهم، فلم يكن لبني بكر بهم يَدٌ، فصالحوهم على أن يعطوا بني يربوع بعض غنائهم، على أن يخلّوهم [أن] يردوا الماء، فقبلوا ذلك وأجازوهم، فبلغ ذلك بني سعد، فقال قيس بن عاصم في ذلك:

جزى الله يربوعا بأسوأ سعيها ... إذا ذكرت في النائبات أمورها

وَيْوَمَ جَدُودٍ قَدْ فَضحتم أباكم ... وسالمتم والخيل تدمى نحورها.

إلخ. وانظر شرح أدب الكاتب للجواليقي (١/ ١٢٥)، والأغاني (١٤/ ٨٠).

قال في تاج العروس: (و) جَدُود: (علم) بعَيْنه من أَرض تَميم، قَريب من حَزْن بني يَربوع بن حَنظَلَةَ، على سَمْتِ اليَمامة، فِيهِ ماءٌ يُسمَّى الكُلاَب، وكانتْ فِيهِ وَقْعَةٌ مرّتين يُقَال للكُلاَب الأَوّلِ: يومُ جَدُود، وَهي لتَغلِبَ على بَكْرِ بن وائِلٍ، قَالَ الشاعِر:

أَرَى إِبِلي عَافَتْ جَدُودَ فَلَم تَذُقْ ... بهَا قَطْرَةً إِلاّ تَحِلّةَ مُقْسِم