تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين 143}

صفحة 451 - الجزء 1

  مقامهم؛ فعلى ذلك يخرج قول الله: {فلما تجلى ربه}، ولله المثل الأعلى، ومعنى قوله: {للجبل} فهو: على الجبل، غير أن حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض، ويجزي بعضها عن بعض. ومن الحجة أن العرب تطرح الشيء، وتقيم ما كان من سببه مقامه - قول الشاعر:

  ألا إنني سقيت أسود حالكا ... ألا بجلي من ذا الشراب ألا بجل⁣(⁣١)

  والأسود لا يشربه أحد ولا يسقاه، وإنما هي الحية السوداء، وإنما أرد: أني سقيت سما أسود، فطرح السم، وأقام الأسود مقامه.

  وقال في كتاب الرد على مسائل الإباضية للإمام الناصر بن الهادي #:

  وسألت عن: قوله سبحانه: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا}، فقلت: ما معنى التجلي من الله ø؟

  قال أحمد بن يحيى #: قد قيل فيه بأقاويل، لا أشك أنك قد عرفتها، وأحسنها عندي ما أنا ذاكره لك، وهو أولى بلغة العرب، وله نظائر من القرآن؛ فأفهمه ذهنك إن شاء الله.

  قال: {فلما تجلى ربه للجبل}، يعني: فلما تجلى ربه بالجبل، أي: تجلى لخلقه الذين كانوا مع موسى ~ بالجبل، يعني: أن تجليه بالجبل هو دلالة لهم عليه؛ فلما⁣(⁣٢) أوقع من الآية التي نظروا إليها؛ فقامت اللام الزائدة مقام الباء؛ لأن حروف الصفات يعقب بعضها بعضا، والله - تبارك وتعالى - لا يتجلى للجبل، والله ø لم يغب عن الجبل، منذ خلق الجبل، والتجلي يلزم من كان عليه حجاب وستر، ثم تجلى عنه ذلك الحجاب، والله ø متقدس متعال


(١) هكذا في النسخة المنقول منها، وهو في مقاييس اللغة لابن فارس وغيره:

أَلَا إِنّنِي سُقِّيْتُ أَسْوَدَ حَالِكًا ... أَلَا بَجَليَّ مِنْ الشَّرَابِ ألا بَجَلْ

والبيت لطرفة، وبجيلة: قبيلةٌ.

(٢) هكذا في النسخة، ولعلها: لِمَا ... إلخ.