تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين 143}

صفحة 452 - الجزء 1

  عن ذلك؛ لأنه شاهد كل نجوى، وحاضر كل ملأ، لا يخلو منه مكان، ولا يخفى عليه. والتجلي فقد تعرفه العرب في لغاتها وأشعارها، وأنه يجوز عندها على: غير تجلي الرؤية، من ذلك قول الشاعر يصف بعض الملوك؛ لأنه تجلى لقوم خالفوا أمره، فوجه إليهم عسكرا، ولم يبرح هو، قال الشاعر:

  تجلى لهم بالمشرفية والقنا ... وإن كان من طعن الأسنة نائيا

  فترى كيف خرج التجلي عند العرب، وكيف جوازه في لغاتهم ومخاطباتهم، وقد قال ø: {يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون}⁣[المؤمنون: ٦١]؛ فكيف يستبقون الخيرات؟! لو سبقوا الخيرات - لم يكن ذلك لهم بفخر، ولا لهم فيه مديح، وإنما المعنى فيه: يسارعون في الخيرات وهم بها سابقون؛ فقامت اللام مقام الباء؛ قال الشاعر:

  لقد نلت أمرا لم تكن لتناله ... ولكن لفضل الله ما نلت ذلكا

  يريد: بفضل الله، فأقام اللام مقام الباء، فهذا حجة في حروف الصفات التي يعقب بعضها بعضا، وقد جرى في ما سألت عنه نظائر لهذا في جواباتنا هذه، وفيه لك الكفاية بحول الله وقوته، وبهذا الجواب في هذه الآية: {يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون}⁣[المؤمنون: ٦١] - أجاب أبي الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، ~ وعلى آبائه الطاهرين.

  وقال في كتاب حقائق المعرفة، في سياق الاستدلال على نفي الرؤية ما لفظه:

  وقد سأل موسى ربه أن يريه آية من آيات الآخرة؛ حتى يعلم ربه علم ضرورة، فقال: {رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني}⁣[الأعراف: ١٤٣]، ويحتمل أن يكون سأل ربه أن يبين له نفي الرؤية، إذ سأله قومه الرؤية، فقال: {لن تراني}، و «لن» عند أهل اللغة للقطع والتأبيد؛ قال الله تعالى: {لن ينال الله لحومها}