قوله تعالى: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون 163 وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون 164 فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون 165}
  يقدرون له على دفاع، ولا منه إلى امتناع - لما أقاموا ساعة واحدة معه، ولا سيما إذا كان لا يقدر أحد منهم على أن يدفعه؛ فكيف بمساخط الله التي هي في صدورهم أعظم، ولقلوبهم أحرق وآلم؟! ما يحل توهم ذلك عليهم، ولا نسبة شيء منها إليهم؛ والحمد لله رب العالمين، ونعوذ بالله من مجاورة الظالمين.
  وقال في مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم بن إبراهيم #:
  قال تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة}، قال عكرمة: أخذ المصحف ابن عباس، فقرأ هذه السورة، يعني: الأعراف، فلما بلغ قصة اليهود وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر، {إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم} ... الآية، فقال ابن عباس: يا عكرمة، هذه قرية بحاضر البحر، يقال لها: «آيلة»، كان فيها قوم من اليهود، حرم الله عليهم صيد السبت، فكان السمك إذ كان يوم السبت يجيء شرعا، حتى يقع في آنيتهم وبيوتهم، وإن كان غير السبت تحجب في البحر، فلا يقدرون عليها إلا بمشقة. وقال طائفة: لو حفرنا لها الحفائر يوم الجمعة؛ فإذا كان يوم السبت وقعت في الحفائر، ونأخذها يوم الأحد، ففعلوا؛ فأثروا، وكثرت أموالهم، فحين علم بهم قومهم قالوا: يا قوم، اتقوا الله، ولا تستحلوا صيد السمك. فأبوا أن يقبلوا منهم، فافترقوا ثلاث فرق: فمنهم من استحل صيد السمك السبت، ومنهم من نهاهم ولم يغير لهم، وأقام معهم. والفرقة الثالثة: نهت واعتزلت، وقالوا: والله لا نناكحكم، ولا نواكلكم، ولا نسايركم، حتى تتوبوا؛ فإنا نخشى أن ينزل بكم العذاب؛ فيصيبنا معكم. وخرجوا من قريتهم، فقالت الفرقة التي نهت وأقامت: {لم تعظون قوما الله مهلكم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون}، وقالوا: إما أن تتقوا وتتوبوا؛ فيكتب لنا ثوابهم، وإما أن ينزل بهم العذاب، فلا يصيبنا معهم.