قوله تعالى: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون 163 وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون 164 فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون 165}
  وقرأ ابن عباس حتى بلغ هذا الموضع: {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون ١٦٥ فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين ١٦٦}
  قال ابن عباس: فكان أهل القرية الذين استحلوا صيد السبت يصبحون على خمورهم ولهوهم، ولهم ضجة في القرية، فلما أراد الله بهم العقاب أصبحوا ذات يوم، وليس لهم صوت يسمع ولا حركة؛ فقال بعضهم لبعض: لعل القوم أصبحوا على خمورهم ولهوهم؛ فناموا. فلما تعالى النهار، ولم يسمعوا لهم صوتا - قال بعضهم لبعض: يا إخواننا، إنا نخاف أن يكون قد نزل بهم العذاب؛ فأصعدوا رجلا من فوق السور، وكانت الأبواب مغلقة عليهم، فلما أشرف عليهم نادى بأعلى صوته: يا إخوتاه، هؤلاء إخوانكم قردة لها أذناب، يتعاووا. ثم نزل، ففتح عليهم الباب، فدخلوا عليهم، فكان القرد يجيء إلى قرائبه وابن عمه، والقردة تجيء إلى قرائبها وابن عمها، فلا يعرفه أنه الرجل حتى يجيء ويحرك ذنبه، فيقول له الرجل: من أنت؟ فلان؟ فيقول برأسه، أي: نعم، ثم بسط يده، ويقول: ذلك بما كسبت يدك. وتدمع عيناه.
  فلما بلغ ابن عباس هذا الموضع بكى حتى علا بكاؤه، ثم قال: والله ما سمعت الله ذكر أنه نجى إلا الفرقة التي نهت واعتزلت، ولقد أهلك الفريقين جميعا: التي عصت، والتي نهت وأقامت معهم؛ ثم تلا ابن عباس: {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا ...} الآية؛ فلم يرض الله ø من أهل العلم والقيام له بالتقصير، إلا بحقائق التعبير، وهو النهي لهم والعزلة عنهم، والمباينة لهم في أفعالهم وأقوالهم، ومستقرهم ومقامهم.