قوله تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون 179}
  الآية من قبل: أنه أخبرنا أن خلق الإنس والجن لعبادته، وقال في موضع آخر: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس}، ثم أخبرك: من هم؟! فقال: {لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها} ... إلى آخر الآية [الأعراف: ١٧٩]؛ فينبغي لك إذا ورد عليك شيء من كتاب الله، مما ذهب عنك معناه: أن تسأل عنه العلماء؛ فإن الله ø، يقول: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}[النحل: ٤]، وقال: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}[فاطر: ٢٨]، وليس ينبغي لعاقل أن يدع ما علم لما جهل، وليس لك أن تشك في الواضح إذا ذهب عنك الخفي؛ فينبغي للعاقل أن يتمسك بالواضح من كتاب الله، وبالمحكم من كلام الله، فإن في ذلك تبيانا وشفاء لمن طلب الحق وأراده، وقد رغب الخلق في التمسك بالمحكم من كتابه، فقال: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به}[آل عمران: ٧].
  وأنا مخبرك بتأويل الآية: قال بعض أهل العلم: إن معنى قوله: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس}، يريد: الإعادة، ولم يرد: ابتدأهم لجهنم؛ ألا ترى: أنهم كانوا في الدنيا يتمتعون ويأكلون؟! ولكن لما علم تبارك وتعالى: أن أكثر عاقبة هذا الخلق يصيرون إلى جهنم بكفرهم - جاز على سعة الكلام، ومجاز اللغة: {ولقد ذرأنا لجهنم}، وإن كان إنما خلقهم في الابتداء لعبادته، وذلك جائز في اللغة، وقد قال نظير ما قلنا في كتابه، في موسى #، قال: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا}[القصص: ٨]، وإن كانوا إنما التقطوه ليكون لهم قرة عين، وهكذا حكى الله عن امرأة فرعون، إذ قالت: {قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا}[القصص: ٩]. ومثل قوله: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا}[النساء: ١٠]: لما كان عاقبة أمرهم إلى ذلك، وإن كانوا لا يأكلون في