تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون 179}

صفحة 469 - الجزء 1

  الدنيا إلا الأخبصة⁣(⁣١)، والفالوذجات⁣(⁣٢)، والأطعمة الطيبة؛ وقد قال الشاعر ما يدل على ما قلنا من ذلك:

  أموالنا لذوي الميراث نجمعها ... ودورنا لخراب الدهر نبنيها

  وللمنايا تربي كل مرضعة ... وللحتوف برى الأرواح باريها

  والوجه الثاني: قال فيه بعض العلماء: إن معنى قوله: {ذرأنا لجهنم كثيرا}: خلقنا، ومعنى «خلقنا» على: أن سنخلق، وليس على: قد خلقناكم في الابتداء لجهنم، وإنما أراد به: في القيامة، كما قال: {ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار}⁣[الأعراف: ٤٤] على معنى: سينادون، وكما قال: {قال الذين استضعفوا للذين استكبروا}⁣[سبأ: ٣٣]، إنما يريد الله بقوله: «سنخلقهم» بمعنى: الإعادة، وهو يوم القيامة في النشأة الأخرى؛ فهذا تأويل الآية.

  وإنما يدخلون جهنم بأعمالهم؛ جزاء بما كانوا يكسبون، وجزاء بما كانوا يكفرون، وجزاء بما كانوا يعملون؛ قال الله ø: {لهم قلوب لا يفقهون بها}⁣[الأعراف: ١٧٩]، يعني: لا يتفقهون بها، وقد كانوا يفقهون ما يقولون، ويبصرون ما هو ألطف من الخردل، ويسمعون ما يريدون، ويستثقلون ما لا يريدون؛ فعلى هذا المعنى تأويل الآية، وكل آية تشبهها.

  وقال في المجموعة الفاخرة:

  معناها على الصدق والمعاد؛ لعلم الله بما يكون من العباد، فقال: {ذرأنا}، فأخبر عما سيكون في آخر الأمر، ويوم القيامة والحشر، من الذرو الثاني، لا الذرو الأول الماضي؛ فكذلك الله رب العالمين، يذرأ لجهنم في يوم الدين جميع من مات على كفره من الكافرين، فيعذبهم على فعلهم، ويعاقبهم على ما تقدم


(١) الخبيص: الحلواء المخلوطة من التمر والسمن، وجمعه: أخبصة. المعجم الوسيط (١/ ٢١٦).

(٢) الفالوذج: من الحَلْوَاءِ، هو: الذي يؤكل يسوَّى من لُبِّ الحنطة. (لسان العرب: مادة «فلذ»).