قوله تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون 179}
  فمعنى قوله: {ذرأنا} هو: أنشأنا، وجعلنا، وهو: الذرو الآخر، والنشأة الآخرة في يوم القيامة، عند خروج الناس من قبورهم، فيساق أهل كل دار إلى دارهم، من عمل في الدنيا خيرا أحشر إلى الجنة، وذرأ لها، ومن عمل في الدنيا شرا أحشر إلى النار، وأنشأ لها وإليها؛ جزاء على عمله، وإعطاء لما أسلف من فعله.
  وأما ما ذكر الله من القلوب والأعين والآذان: فإنه أخبر بذلك أنهم كانوا لا ينتفعون بها في الدنيا؛ كانوا لا يميزون بقلوبهم ما أمروا بتمييزه، ولا يعتبرون بما يرونه من أثر صنعة الله لغيرهم، ولا يقبلون عن الله ما يسمعونه بآذانهم؛ فهم في قلة القبول والاقتداء، وترك الانتفاع بما يسمع ويرى - كالأنعام؛ بل هم أضل من الأنعام؛ لأن معهم من التمييز ما ليس معها، ثم هي في الإعراض وقلة الانتفاع كـ «هم» سواء؛ فهم بذلك وشبهه أشر منها وأردى، وآفك عن الحقيقة وأبلا؛ فنعوذ بالله من الحيرة والعمى، والهلكة باتباع الهوى.
  وقال في كتاب الرد على مسائل الإباضية للإمام الناصر بن الهادي #:
  وسألت عن: قوله تعالى: {لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها} ... الآية؟
  قال أحمد بن يحيى ª: الجواب في ذلك: أنهم كانوا عميا عن الحق، صما عن استماعه، من غير عمى ولا صمم كان بهم؛ والعرب تكلم بهذا في قولها، من ذلك أن الرجل إذا كلم رجلا، فلم يرفع لكلامه رأسا - قال: «أنت أصم عن قولي، وأعمى عما أريد منك»، قال الشاعر في نحو ذلك:
  أعمى إذا ما جارتي خرجت ... حتى يواري جارتي الستر وأصم عما كان بينهما ... سمعي وليس يحويه وقر
  وفي هذا البيت الآخر إضمار أيضا؛ فافهم؛ ألا ترى كيف قال: «وأصم عما كان بينهما»، ولم يذكر اثنين، وإنما ذكر جارة واحدة، ثم قال: «بينهما»، فصار