تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير 72 والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير 73 والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم 74}

صفحة 497 - الجزء 1

  وهو المتقدم، والإيمان اللغوي، وهو المتأخر، كما ذكر في الإيمان والإسلام، ومعناهما عندنا في الشرع واحد؛ لأنا نعلم أن المؤمنين حقيقة بعضهم أولياء بعض، وقد نطق بذلك القرآن، ولا يجوز شرعا أن يقول المؤمن للمؤمن: «لست وليي» إلا على ضرب من التأويل، وإنما لا يجوز أن يخرجه عن باب الموالاة.

  فأما ترك الإرث لترك الهجرة: فذلك كان في بدء الإسلام ونسخ، فإن صح أن في دار الحرب مؤمن سقط عنه فرض الهجرة للعجز، أو بعض الأعذار المخلصة عند الله سبحانه، فإنه كان لا يرث في بدء الإسلام من قريبه المهاجر شيئا، فيكون على هذا: أن المراد بالولاية الإرث، ويستقيم القول على لفظ الآية، فيكون الإيمان شرعيا في الطائفتين على سواء، وكيف يصح ارتفاع الولاية بين المؤمنين، والله تعالى يقول: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم}⁣[التوبة: ٧١]، فلولا حمله على ما ذكرنا لكان متناقضا سبحانه وتعالى أن يكون في قوله مثل ذلك، وقد قال سبحانه: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}⁣[النساء: ٨٢]، ولا اختلاف أعظم من تنافي المعاني، وأن يثبت بأحد اللفظين المتماثلين ما ينفيه الآخر.

  وأما قوله أيده الله تعالى: «إنها نزلت في قوم مؤمنين بين كفار؛ إذ لو كانت الدار التي هم فيها قد أسلم أهلها كلهم لم يجب عليهم الهجرة، ولأي شيء يهاجرون إذا كانت الدار كلها قد أسلم أهلها؟! فلم يبق إلا أنها نزلت في كفار بين مؤمنين» - هذا لفظ السؤال، ويغلب في الظن: أنه غلط، وأن المراد: في مؤمنين بين كفار - «فسماهم الله ø: مؤمنين، ونهى عن ولايتهم، لا غير.»

  والكلام في ذلك قد تقدم، وظاهر لفظ الآية: أنها في قوم آمنوا ولم يهاجروا، وهم على نوعين: