قوله تعالى: {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير 72 والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير 73 والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم 74}
  إما قوم آمنوا فعذروا من الهجرة؛ للضعف، أو لغيره من الأعذار؛ فانقطع إرثهم، وإن كان إيمانهم صحيحا؛ لعدم شرط الإرث في الحال الأولى، وهو الهجرة.
  وإما أن يكون في قوم آمنوا، صدقوا الله ورسوله، ولم يهاجروا، مع التمكن من الهجرة، فسقط حكم ولايتهم؛ لأجل ذلك، وسماهم تعالى مؤمنين على أصل اللغة.
  وأما التعلق بلفظ النصرة فلا وجه في ذلك يوجبه؛ لأن النصرة تجب لغير المؤمنين، كما تجب نصرة الذمي، ومن دخل دارنا بأمان وإن كان كافرا، ورسول الله ÷ قد كان عقد بينه وبين اليهود حلفا على المناصرة، حتى نقضت ذلك اليهود يوم الأحزاب، وقد نصر الناصر # جستان، وهو مجوسي على أهل خراسان، وهم يدعون الإسلام، فلا يمتنع أن تتعلق المصلحة بأن ينصر من آمن بالله تعالى ورسوله على من جحدهما، وإن كان حكمه حكم الكفار؛ لبعض الأسباب.
  وأما قوله: «ونهى عن ولايتهم» - فكيف ينهى تعالى عن ولاية المؤمنين لإخوانهم المؤمنين، وقد أمر الله تعالى نبيه إبراهيم # بالتبري من أبيه، كما قال سبحانه: {فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه}[التوبة: ١١٤]، والولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين - من أصول الدين، لا يختلف في ذلك أهل العدل والتوحيد، وهو مذكور في كتب الأصول، وظهوره أغنى عن ذكر شيء منه، ولا يصح أن ينعقد الإيمان على ترك ولاية المؤمنين في جميع الشرائع ولا ذلك مما يصح فيه النسخ، فأما ولاية الإرث - فلا مانع من ذلك، فالآية دالة على ما قلنا على أي وجه.
  قال أيده الله تعالى: «وقد قسم الله تعالى الناس في آخر الأنفال على أصناف: منهم: من آمن وهاجر، وله حكم. ومنهم: من آمن ولم يهاجر، وله حكم. ومنهم: من أصر على الكفر، وله حكم. ومنهم: من آمن وآوى ونصر، وحكمه