تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين 24}

صفحة 504 - الجزء 1

  ترك طاعته، وطاعة رسول الله ÷، وترك الجهاد في سبيله، حيث قال تعالى: {قل إن كان آباؤكم}، إلى قوله: {أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله}، والمراد بذلك: طاعته تعالى، وطاعة رسوله، لا مجرد المحبة التي يزعمون أنها لا تفارق قلوبهم؛ لأنه لو أراد ذلك لم يكن للآية معنى؛ لأن مجرد تلك المحبة التي يزعمون ممكنة مع عدم المفارقة للمال؛ فإن أبيت هذا التأويل: فاعلم أن المحبة لله ولرسوله مستلزمة لطاعة الله وطاعة رسوله؛ لأن المحبوب مطاع، كما في قوله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}⁣[آل عمران: ٣١]، وكما يروى لأمير المؤمنين كرم الله وجهه شعرا:

  تعص الإله وأنت تظهر حبه .... هذا محال في القياس بديع

  لو كان حبك صادقا لأطعته .... إن المحب لمن يحب مطيع

  فإذا لم تكن مفارقة الآباء والأبناء، والإخوان والأزواج والعشيرة، والأموال على أنواعها، ولا خشية اغتصابها وفسادها عذرا ولا رخصة في ترك طاعة الله، وطاعة رسوله، والجهاد في سبيله - فبطريق الأولى: أن لا يكون مراعاة صيانتها من الانتهاب لها وفسادها عذرا، ولا رخصة في فعل معصية، وهي: تقوية الظالم على ظلمه؛ لأنه ترك طاعة الله تعالى، وهي: مباينة الظالمين، والانفصال عنهم، وترك للجهاد في سبيله، وهو: نهيهم عن المنكر بالحد إذا لم يؤثر ما هو دونه، مع زيادة تقويتهم بما يسلمون إليهم، وذلك لا يخفى على عاقل؛ فتسليم بعض المال ليسلم الكثير، إذا كان يؤدي إلى قوة ظلم الظالم - فسق؛ بصريح قوله تعالى في آخر الآية: {والله لا يهدي القوم الفاسقين}⁣[المائدة: ١٠٨].

  وقولهم: «ليدفعوا بذلك محضورا، وهو اغتصاب أموالهم وإفسادها» ضلال عن الحق بين؛ لأنهم ولو دفعوا ذلك فقد جلبوا به من المحظورات ما لا يحصى، مما هو أعظم من ذلك وأكثر، كقتل النفوس المحرمة [بغير الحق]، وتعطيل الشرائع، مع أن ما ذكروه واجب عليهم تركه إذا لم يتمكنوا من حمله، ولا من