قوله تعالى: {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون 102}
  وقد قال سبحانه في موضع آخر: {وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون}، فأخبر سبحانه في الآية الأولى: بأنهم لا يطمئنون في الأرض مع الآدميين، ولا يبدون لهم ولا يؤانسونهم، وفي هذه الآية الآخرة: أخبر سبحانه أنه لو أنزل ملكا لقضي الأمر، يقول: لو أنزل ملكا حتى ينظر ويخاطب لقضي الأمر وقامت القيامة؛ لأن ظهور الملائكة للآدميين لا يكون إلا في القيامة، أو عند الموت؛ فهذا أيضا تصديق لما قلنا به؛ لأنه لو تناقض قول الله سبحانه لتضادت أحكامه، ولوقع الخلل فيما شرح الله وقص في كتابه، ولكان في ذلك من الفساد مالا يقع معه أبدا سداد، والله سبحانه بريء من ذلك، لا يختلف قوله ولا يتناقض حكمه، الصادق في وعده ووعيده، البريء من ظلم عبيده، وقال الله سبحانه في طاعة الملائكة، وإبعاد ما يقول به الظالمون فيهم: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا}، يريد أهل الكفر عليهم لعنة الله بذلك الملائكة، فقال سبحانه: {بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون}، يريد ø: أنهم لا يقولون إلا ما أمرهم به، ولا يمضون إلا ما أمرهم بإمضائه، ثم قال في آخر الآية: {وهم من خشيته مشفقون}، فكيف يحل لمسلم أن يقول في من كانت هذه حاله، وهذا خبر الله عنه: أن منهم من قد عصا الله، ونزل مع الخلق، وعلمهم السحر؛ هذا قول فاحش عظيم، لا يقول به مؤمن، ولا عبد عند الله مكرم، إلا أن ينقض أمر الله سبحانه، ويكذب قوله، فيكون من الهالكين، وعند الله سبحانه من الملعونين؛ لأن في الملائكة خبرين من الله، أحدهما: أنهم لا يطمئنون في الأرض مع الخلق يحدثونهم، ولا يبدون لهم إلى يوم القيامة، وأنهم لو بدوا في هذه الدنيا لقامت القيامة، ولم يذكر ø أنهم يظهرون في هذه الدنيا إلا لمن ذكر من أنبيائه أو لمن حضرته الوفاة.
  والخبر الثاني: أنهم لا يعصون الله ما أمرهم، ولا يسبقونه بالقول، فأثنى عليهم، ومدحهم بالطاعة والعبادة.