قوله تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين 118 إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين 119}
  {بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ٢٢}[الزخرف: ٢٢]، ثم أخبر نبيه صلى الله عليه وآله بقول من كان قبلهم، ممن أهلك بمثل قولهم؛ فقال: {كذلك ما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ٢٣}[الزخرف: ٢٣]؛ فكيف يقول الجهال، وأهل الغي والضلال: إن الله سبحانه يشاء من عباده أو لهم الكفر، وقد يسمعون في ذلك قوله، ويرون ما نزل بإخوانهم على قولهم من نكير قولهم؟! أو لم يسمعوا الله سبحانه، وتعالى عن كل شأن شأنه، يقول: {إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر}[الزمر: ٧]؟ فقال: {إن تكفروا}؛ فأخبر بذلك: أن الكفر فعل منهم ولهم؛ إذ نسبه سبحانه إليهم، وذكره عنهم، ثم قال: {ولا يرضى لعباده الكفر}، فأخبر أنه لا يرضى ما كان من كفرهم، فكيف يقول الجاهلون في ربهم: إنه قضى بما لم يرض لهم عليهم؟! فأكذبوا في ذلك رب الأرباب، وعاندوه في كل الأسباب، فقالوا: إنه رضي بما قال سبحانه: إنه لم يرضه، وقالوا: إنه سخط ما قال: إنه رضيه؛ فعاندوه في ذلك عنادا، وجاهروه بالمكابرة جهارا؛ ففي هذا - والحمد لله - من البيان - ما يكفي عن ذكر غيره من الحجج والبرهان.
  وأما قوله ﷻ، عن أن يحويه قول أو يناله: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} - فإنا نقول في ذلك بالحق المبين، على رب السموات والأرضين، فنقول: إن معنى قوله: {ولا يزالون مختلفين}، أي: لا يزال أهل الحق لأهل الباطل مخالفين، وعليهم في باطلهم وفسقهم منكرين، {ولذلك خلقهم} رب العالمين، وبه أمرهم سبحانه أكرم الأكرمين؛ فخلق جميع خلقه ليعبدوه، لا ليعصوه، وأمرهم أن يطيعوه ولا يخالفوه، وأن يجاهدوا الكافرين كافة أجمعين، حتى يفيئوا إلى طاعة رب العالمين؛ فخلقهم سبحانه لما شاء من ذلك، وشاء ما أمرهم به، وأمرهم بما خلقهم له، من طاعته، ومجاهدة