قوله تعالى: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين 116}
  أبدا بين المحقين والمبطلين. وهو خبر من الله عما يكون، وأنهم لن يزالوا مختلفين فيما يستأنفون؛ فالاختلاف منهم وفيهم، ولذلك نسبه الله إليهم. وقوله: {إلا من رحم ربك} يريد: من المؤمنين؛ فإنهم في دينهم متآلفون، غير مختلفين. وقوله تبارك وتعالى: {ولذلك خلقهم}: يقول سبحانه: للمكنة، مما يجب به الثواب والعقاب من السيئة والحسنة، ولولا خلقه لهم كذلك، وعلى ما فطرهم عليه من ذلك - لما اختلفوا في شيء، ولما نزل عليهم أمر ولا نهي، ولا كان فيهم مسيء ولا محسن، ولا منهم كافر ولا مؤمن، ولكانوا كالموات الذي لا يحسن ولا يسيء، ولا يفجر عند الله ولا يتقي.
  وقال في مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي #:
  وأما ما سأل عنه من: قول الله سبحانه: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} - فإنا نقول: إن معنى قوله: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة} هو: إخبار عن قدرته، ونفاذ ما شاء من إرادته؛ فأخبر سبحانه: أنه لو شاء أن يجعلهم أمة واحدة - لجعلهم قسرا، ولأدخلهم في طاعته جبرا؛ ولكنه لم يرد قسرهم على ذلك، ولم يرد أن يدخلهم في الطاعة كذلك؛ للحكمة النيرة، والحجة الباهرة؛ ليثيب على عملهم المثابين، ويعاقب على اجترامهم المعاقبين، لا ما يقول به المبطلون، ويذهب إليه الجاهلون، من أنه لم يرد من العاصين الطاعة، ولم يكره من الفجرة المعصية، وأنه لو أراد ذلك منهم لفعلوه، ولو شاء أن يعبدوه لعبدوه، وقالوا على الله ø الأقاويل الردية، وضاهوا في ذلك قول الجاهلية، حين قالوا: {لو شاء الرحمن ما عبدناهم}[الزخرف: ٢٠]، فقال سبحانه، يكذبهم فيما وهموا من أنه يريد عبادة أحد دونه، وأنه لا يشاء أن يعبدوه: {مالهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون ٢٠ أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون ٢١}[الزخرف]، ثم أخبرنا بما به عبدوا من يعبدون، ومن به في ذلك يقتدون، فقال: