تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه}

صفحة 27 - الجزء 2

  قلت: فقد كان يروى لنا ذلك بين الملأ، ويتحدث به في المساجد.

  قال: قد ذكر ذلك، جل الله عن كل ما يقول فيه الملحدون، وينسب إليه الضالون. وليس قولهم هذا في أنبياء الله، وروايتهم الكاذبة عليهم - بأعظم من كذبهم وجرأتهم على الله، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا؛ ألا ترى كيف شبهوه بالأشياء من خلقه، وجعلوه جسما ذا أعضاء وأجزاء مختلفة؟ فتعالى عن ذلك من ليس كمثله شيء.

  ولقد ناظرت رجلا ممن ينتحل التشبيه، فألزمته أن يقول: إن الله مخلوق، أو ينفي عنه التشبيه؛ فاختار أن يجعله مخلوقا، وكره أن ينفي عنه التشبيه؛ فهذا أعظم الأمور، وأقبح الأقاويل كلها.

  قلت: فالبرهان الذي رآه يوسف صلى الله عليه ما هو؟

  قال: هو ما جعل الله فيه من علمه، وخصه به من المعرفة به، والخوف في علانيته وسره. وإنما كان ذلك ابتداء منها، ومراودة له على نفسه؛ كان من قولها له: أن يا يوسف إن لم تأتني - أتيت أنا إليك. فقال: معاذ الله من ذلك. فقامت، فأرخت سترا كان على باب البيت، وكان في البيت صنم لها تعبده من الذهب، له عينان من ياقوتتين حمراوين، فكانت تستحييه وتعبده. فقال لها يوسف صلى الله عليه: لم أرخيت هذا الستر؟ فقالت: إني خفت أن يراني هذا الذي في البيت، فأرخيت الستر؛ حياء منه، وإجلالا له. فقال لها: فإذا كنت أنت تستحيين من صنم لا يبصر ولا يسمع، ولا يضر ولا ينفع؛ فكيف لا أستحيي أنا من الذي خلقني وخلقك، وخلق هذا الذي تخافين، ومنه تستحيين؟! بل أخاف وأستحيي الذي خلقني وخلقكم، وهو خالق السموات والأرضين. ثم نهض منها؛ هاربا بنفسه، فلحقته إلى باب الدار، فقدت قميصه، {وألفيا سيدها لدى الباب}، وهو زوجها الملك؛ وذلك أنهم كانوا يسمونه السيد؛ لموضعه عندهم، ورفعته فيهم، فقالت له: {ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو