قوله تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين 124}
  وفديته إياه ما قد علمت.
  ومعنى {إني جاعلك للناس إماما} فهو: ما كان الله ø خصه به من النبوة والإمامة، واتباع الخلق له، والاقتداء به، والأخذ بسيرته، وبما أوجب الله ø من طاعته، ثم سأل ربه أن يجعل الإمامة باقية في عقبه، فأخبره الله ø: أنه لن ينال ذلك الظالمون منهم، ولم يجعل الإمامة لمن كان كذلك، من ولد إبراهيم #، وجعلها في الصالحين من عقبه، وأكرمه بذلك، حتى أفضت النبوة والكرامة إلى محمد ÷، فجعله خاتم النبيين، ورسولا إلى جميع المخلوقين، ثم جعل الإمامة في الصالحين من عقبه، إلى يوم الدين، وحشر العالمين.
  وقال في كتاب البساط للإمام الناصر الأطروش #:
  مسألة في معنى {وإذ ابتلى ابراهيم ربه} ... الآية:
  ومما جهلت المجبرة تأويله بلكنتها على خلاف ما أنزله الله قوله سبحانه: {وإذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن}، إلى قوله: {لا ينال عهدي الظالمين}، فمعنى ابتلائه إياه: امتحانه إياه لطاعته وأمره. وإتمام ذلك: إتمامه الدين، والنور الذي أعطاه له، وحسن تعليمه إياه، وتبيينه له؛ فلما قبل أمر ربه وأدبه - اختاره للنبوة، ورضيه واصطفاه، فكان الله الذي جعله إماما.
  ونظير ذلك من كلام العرب: أن الرجل إذا علم انسانا وأدبه، وأمره بما فيه رشده، فقبل عنه وتعلم منه، جاز أن يقول له: قد خلفتك فقيها، وجعلتك أديبا، وجعلتك معلما لسواك؛ فهذا تأويل ما غلطوا فيه، والحمد لله راضيا.
  وقال في مجموع رسائل الإمام الهادي # في سياق كلام ما لفظه:
  وفي نفي الحكم منه بشيء من ذلك لأعدائه، ما يقول لنبيه إبراهيم صلى الله عليه: {لا ينال عهدي الظالمين}، والعهد فهو: العقد بالإمامة، والحكم لهم بالطاعة. ومعنى: {لا ينال عهدي الظالمين}؛ فهو: لا يبلغهم، ولا يجيزهم.