تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم}

صفحة 89 - الجزء 2

  شيء إلا وهو يوجب التسبيح على من اعتبر ونظر، وفكر في أثر صنع الله بما فيه، فجاز أن يقال: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده}، لما أن كان أثر الصنع فيه موجبا للتسبيح لصانعه، على المعتبرين من عباده.

  فأما قوله: {ولكن لا تفقهون تسبيحهم} فهو ذم لمن لم يعتبر، ويستدل بأثر الصنع في الأشياء، فقال: {ولكن لا تفقهون تسبيحهم}، يريد: لا يفقهون ما به من أثر الصنع فيها، الذي يوجب التسبيح للصانع، والإجلال والتوقير؛ فكان ذلك ذما لمن لا يعتبر ولا يتفكر، ولا يحسن التمييز في أثر صنع الله، فيعلم بأثر صنعه ما يستدل به على قدرته، ويصح لربه ما يجب لمعرفته، من توحيده، والإقرار بربوبيته.

  وأما قوله: {والنجم والشجر يسجدان}⁣[الرحمن: ٦] فقد قال بعض العلماء: إن معنى السجود: سجود ظلال الأشياء، ووقوعها على الأرض. وقال بعضهم: إن هذا على المثل، يقول: إنه لو كان في شيء من الأشياء، من الفهم والتمييز مثل ما جعل الله في الآدميين والشياطين، والملائكة المقربين - إذن لعبد الله كل شيء وسبحه، بأكثر من عبادة الآدميين وتسبيحهم؛ فجعل هذا مثلا، كما قال سبحانه: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال} ... الآية [الأحزاب: ٧٢]، أراد تبارك وتعالى: أنه لو كان في السموات والأرض والجبال من الفهم والتمييز ما في الآدميين، ثم عرض عليها ما عرض على الآدميين، من حمل الأمانات التي قبلها الآدميون - لأشفقت السموات والأرض والجبال من حملها، ولما قامت بما يقوم به الآدمي من نقضها، مع ما في الأمانة من الخطر، وعظيم الأمر، على من لم يؤدها على حقها، ويقم بها على صدقها. والأمانة على صنوف شتى، فمنها: قول الحق وفعله، ومنها: أداء الشهادة على وجهها، ومنها: أداء الحقوق إلى أهلها، من الأنبياء المرسلين، والأئمة الهادين، ومنها: الودائع من الأموال وغيرها، ومنها: العقود التي قال الله تبارك وتعالى فيها، وفيما عظم من