تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم}

صفحة 88 - الجزء 2

  التقديس، والتبجيل والتسبيح، والمعرفة والإقرار لقدرته - جاز أن يقال: {يسبح}؛ إذ كان بسببه التسبيح من المسبح، المستدل على ربه بما بين له في كل شيء من أثر صنعته، فقال: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده}، وهو يعني بالتسبيح: تسبيح المسبحين؛ لسبب أثر الصنع من المعتبرين بذلك، فجاز ذلك إذ كان بسبب أثر الصنع في هذه الأشياء، وكان التسبيح فيها - من المسبحين، المقرين بالله المعترفين، وما التسبيح إلا كقول الله: {زينا لهم أعمالهم}⁣[النمل: ٤]، فليس الله يزين لأحد قبيحا؛ ولكن لما كان سبب زينة الدنيا وما فيها - من الله خلقا وجعلا، وكان منه الإملاء للفاسقين، والتأخير الذي به تزينت أعمالهم - جاز أن يقال: {زينا}، ولم يزين لهم سبحانه قبيحا من فعلهم، وكذلك قوله سبحانه: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا}⁣[الكهف: ٢٨]، فليس الله سبحانه يغفل قلب أحد عن ذكره، ولا يصرفه عن معرفته؛ ولكن لما أن كان منه سبحانه ترك المعاجلة للمسيء على فعله، والتأخير له في أجله - جاز أن يقول: {أغفلنا}؛ إذ كانت الغفلة هي الإعراض، والترك للحق والتوبة والإنابة؛ فجاز من قبل إملاء الله وتأخيره للمسيء المذنب - أن يقول: أغفلنا، على مجاز الكلام؛ ومثل هذا كثير في القرآن يعرفه ذو الفهم والبيان.

  ومما حكى الله تعالى عن ولد يعقوب #: {واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها}⁣[يوسف: ٨٢]، فقال: «القرية»، والقرية فإنما هي: البيوت والدور، وليس البيوت والدور تسأل، وإنما أراد: أهل القرية؛ لأنها من سبب الأهل، والأهل من سببها، فجاز ذلك في اللغة العربية. وكذلك قولهم: «سل العير التي أقبلنا فيها»، والعير فإنما هي: الجمال المحملة، وليس الجمال تسأل، ولا تجيب ولا تستشهد، وإنما أرادوا: أهل الجمال وأرباب الحمولة، فقالوا: «سل العير»، وإنما أرادوا: أهلها.

  فكذلك قوله سبحانه: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده}، يريد: وإن من