تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا 97}

صفحة 101 - الجزء 2

  القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما

  فقال: تأويل ذلك إن شاء الله: أنهم يبعثون يوم القيامة، حين يجمعون ويحشرون - على صورهم التي فارقوا الدنيا عليها، وهيئاتهم فعلى ما فارقوا الحياة عليه من ضلالهم وعماهم، فمن فارق دنياه وهو أعمى في بصره، بعث كذلك عند حشره، وكذلك يبعث الأبكم، وهو: الأخرس اللسان، وكذلك الأصم من صمم الآذان؛ فكل يبعث ويحشر على ما كان عليه في دنياه من الأحوال، وكذلك يبعثون على ما كانوا عليه في الدنيا من الهدى والضلال، وليس تأويل: {على وجوههم} - إن شاء الله -: ما يذهب إليه أهل الجهالات، من تبديل الله في يوم القيامة للخلق والهيئات، التي كانوا عليها في الدنيا بديا؛ وكيف يتوهمون صما وبكما وعميا، والله يقول سبحانه في ذلك اليوم: {ولا يسأل حميم حميما ١٠ يبصرونهم}⁣[المعارج: ١٠ - ١١]، هو: يرونهم؟! وكيف يتوهمون صما بكما خرسا، وهم يقولون: {يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة}⁣[الكهف: ٤٩]؟!، وكيف يتوهمون ذلك، وهم يقولون في يوم الحساب: {ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا}⁣[السجدة: ١٢]؟! فكفى بما بين الله من هذا ومثله بيانا لقوم يعقلون - على أن الأمر في ذلك ليس كما يتوهم الجهلة ولا كما يظنون.

  وقال في كتاب الرد على مسائل المجبرة للإمام الناصر بن الهادي # في قوله تعالى {مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ٩٧}:

  المعنى فيه: أن النار كلما أحرقت جلودهم، أعادها الله ø على ما كانت عليه، تأكلهم حتى يحترقوا، ثم يعادوا ويبدأوا؛ وذلك قوله ø: {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب}، فقال ø: {كلما خبت زدناهم سعيرا ٩٧}، يعني بالخبو: خبو ما يحرق، لا خبوها هي؛ وهذا الباب تسميه العلماء: المقلوب في القرآن، وكذلك تسميه العرب في لغاتها