سورة الفاتحة
  قالت قريش: {وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا}[الفرقان: ٦٠]، يقول: إنا لا نعرف هذا الاسم من أسماء الله تعالى، ولا ندعوه بما لا نعرف، فقال الله تبارك وتعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}[الإسراء: ١١٠]، يقول: فأي ذلك دعوتموه به فهو اسمه وهو حسن. والرحمن: المنان.
  ثم قال: {الرحيم ١}، ومجاز الرحيم: الرحمن المترحم الرحيم بعباده، ففي رحمته يتقلبون، وبرحمته ما بأنفسهم من نعمة، وما سخر لهم في السماء والأرض، وما أنزل عليهم من غيث، وما أخرج لهم من معاش. ومن رحمته بخلقه: أمهلهم في إعطائه، وهم يعبدون به غيره، ومن رحمته: استتابهم من شتمه، وتكذيب كتبه، وقتل رسله، ولم يعجل إهلاكهم على عظيم ما ركبوا؛ فأكرم الأكرمين وأرحم الراحمين الرؤوف الحكيم: الله الذي هو كذلك، لا مثل له من خلقه.
  وتأويل الرؤوف الرحيم واحد، والكلمة جامعة لكل نعمة في الدنيا. وتأويل الرحمة من الله لعباده: إغاثة الفقير، والصفح عن الإساءة؛ فالله ø غياث كل مضطر، وخير الغافرين.
  ثم افتتح بعد أسمائه الحسنى ما وصف به نفسه من الإلهية، فقال: {الحمد لله}، يقول: الشكر لله على عباده بما أنعم عليهم؛ وشكرهم إياه وحمدهم إياه: طاعتهم إياه فيما أمرهم به ونهاهم عنه. والكلمة جامعة لكل طاعة ونعمة؛ لأن الحمد: شكر على النعم، فالنعم كلها من الله تعالى، والشكر واجب على الطاعة كلها؛ لأنها بالله كانت؛ فهو أهل أن لا يعصى ولا ينسى.
  {رب العالمين ٢}، يقول: الحمد لله لمولى العالمين، والرب هو: المولى، والعالمين: أهل السماوات والأرض، وجميع ما خلق الله تعالى من خلقه، وواحد العالمين: عالم، يقول: فليس لرب العالمين شريك.