تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين 87}

صفحة 232 - الجزء 2

  عن من خصه الله بالإرسال، وفي ذلك - لو كان - تجهيل للمرسل، فيمن يصطفي ويختص من الرسل؛ ولكن: {فظن} قول من الله في يونس قاله، يبين للسامعين زلة يونس وإغفاله، يقول سبحانه: فظن يونس أن لن نقدر عليه، في إباقته من الفلك إلى من أبق إليه؛ فهو ليس يظن؛ ولكنه مقر موقن بقدرتنا عليه، ونفاذ أمرنا فيه؛ فما أبق إلى الفلك فارا هاربا، وذهب مع يقينه بقدرتنا عليه مغاضبا، إلا لإغفاله وزلته، التي نجاه الله منها بتوبته؛ فهذا وجه: {فظن أن لن نقدر عليه}، الذي لا يجوز غيره من الوجوه، وهو كلام صحيح لا تنكره فيه العقول.

  قال في مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي #:

  وسألته عن: قول الله سبحانه: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه

  فقال: أما ذو النون فهو: يونس، والنون فهو: الحوت. وأما قوله: {إذ ذهب مغاضبا} - فإنما كان ذهابه غضبا على قومه، واستعجالا منه دون أمر ربه، لا كما يقول الجهلة الكاذبون، على أنبيائه ورسله À، من قولهم: إن يونس خرج مغاضبا لربه. وليس يجوز ذلك على أنبياء الله À، وإنما كان ذلك كما ذكرت لك، من غضبه على قومه، ومفارقته لهم، واستعجاله دون أمر ربه، وهو قوله لمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم}⁣[ن: ٤٨]، وهو: يونس، يقول: لا تعجل كعجلته، واصبر لأمري وطاعتي، ولا تستعجل كاستعجاله؛ فهذا معنى قوله: {إذ ذهب مغاضبا}.

  وقوله: {فظن أن لن نقدر عليه} أراد بذلك من قوله: {فظن}: أي: أفظن أن لن نقدر عليه؟ وهذا على معنى الاستفهام، ولم يكن ظن ذلك صلى الله عليه.

  وهذا مما احتججنا به في الألف التي تطرحها العرب، وهي تحتاج إلى إثباتها،