تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين 87}

صفحة 233 - الجزء 2

  وتثبتها في موضع وإن لم تحتج إليها، مثل قوله: {لا أقسم}، وإنما معناها: ألا أقسم، وقوله: {وعلى الذين يطيقونه}⁣[البقرة: ١٨٤]، فطرح الألف وهو يريدها، ومن ذلك قول الشاعر:

  نزلتم منزل الأضياف منا ... فعجلنا القرى أن تشتمونا

  وإنما أراد: أن لا تشتمونا، فطرح الألف واللام؛ ومثل هذا كثير في الكتاب، وهو حروف الصفات.

  فلما صار يونس في السفينة، وركب أهلها، واستقلت بهم، وطابت الريح لهم - أرسل الله حوتا، فحبس السفينة، فعلم القوم عند احتباسها: أنها لم تحبس بهم إلا بأمر من الله قد نزل بهم، فتشاور القوم بينهم، وتراجعوا القول في أمرهم، وما قد نزل بهم، وأشفقوا، فقال لهم يونس: «يا قوم، أنا صاحب المعصية، وبسببي حبست بكم السفينة، فإن أمكنكم أن تخرجوني إلى الساحل فافعلوا، وإن لم يمكنكم ذلك فألقوني في البحر وامضوا»؛ فقال بعضهم: هذا صاحبنا، وقد لزمنا من صحبته ما يلزم الصاحب لصاحبه، وليس يشبهنا أن نلقيه في البحر، فيتلف فيه على أيدينا، ونسلم نحن؛ ولكن هلموا نستهم، فمن وقع عليه السهم ألقيناه في البحر. فتساهم القوم، فوقع السهم على يونس، ثم أعادوا ثانية فوقع عليه، ثم أعادوا ثالثة فوقع السهم على يونس، فرمى بنفسه، فالتقمه الحوت، ومضى في البحر، وكان يونس صلى الله عليه ينظر إلى عجائب البحر من بطن الحوت، وجرت سفينة القوم بهم.

  قال: ولبث يونس صلى الله عليه في بطن الحوت ما شاء الله من ذلك، فاستمط شعره وجلده، حتى بقي لحمة، ومنع الله منه الموت؛ فلما علم الله توبته، وقد نادى بالتوبة: {أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}⁣[الأنبياء: ٨٧]، فاستجاب له، وتقبل توبته، ورحم فاقته، فأرسل ملكا من الملائكة، فساق ذلك الحوت إلى جزيرة من جزائر البحر، فألقى يونس من بطنه، وقد