قوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون 186}
  كيف يقول: {فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان}؟ ثم أخبرهم ø من الذين إذا دعوه أجابهم، فقال: {فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}، فأخبرهم تبارك وتعالى: أنهم إذا استجابوا له وآمنوا به أجاب دعاهم وسمع طلبتهم، فإذا لم يكونا كذلك فليس هم ممن يجاب له دعوة، ولا تقضى له حاجة، وكلما نالهم من نعمة فهو: إملاء. والاستجابة لله سبحانه فهي: طاعته، والعمل بما أمر به، والانقياد إلى ما افترضه، والتصديق بأمره ونهيه، والمعرفة بتوحيده وعدله؛ بذلك يصح للعبد الإيمان به، ويتوجب الإجابة لدعوته، فإذا كان العبد كذلك عرف إجابة الدعوة فيما سأل. وقد يسأل العبد الله أمرا و يطلبه منه، ويكون الخيرة له في غيره؛ فيكون بتجنيبه إياه نعمة عليه، وإحسانا إليه، فإذا تعقب العبد الأمر فيما دعا الله فيه، وأنصف نفسه بتبيين الله له الخيرة والرشد، حتى تتضح له الخيرة في الإجابة فيما طلب؛ لأن الله سبحانه يقول: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}؛ فإنما يطلب العبد من الله ø الطلبة التي يرجو فيها لنفسه صلاحا أو فرجا، ويعلم الله ø أن له في ذلك الشر والغم، ولا يعرفه هو؛ فيكون قد استجيب له في صلاح نفسه، وما تقر به عينه، وصرف عنه ما لو أعطيه لكان له في الحزن والغم، والأذى والهم. ومن الصالحين من يسأل في السبب الذي يعلم الله ø أن له فيه صلاحا، فيجاب فيه كبيرا؛ رأينا ذلك غير قليل.
  وقلت: قد وعد الله سبحانه الداعي، فقال: {أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}، فأخبرهم أنه يجيبهم إذا استجابوا له، وآمنوا به؟
  ولقد أولاهم سبحانه، وأعطاهم أفضل حوائجهم، وأكثر مرادهم، وما يقل فيه ومعه جميع مطالبهم، من صحة الجوارح، وعافية الأبدان؛ فهذه أكبر النعم