قوله تعالى: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم 33}
  أخبر أنه من بعد إكراههن لمن أكره منهن، وأخيفت على نفسها إن لم تفعل ما أمرها به سيدها - غفور رحيم؛ فأخبر الله ø أنه غير معاقب لها على ما لم تفعله بطوعها، وأتته بالكره منها، والخوف على نفسها، ثم وعدها أنه يغفر ذلك لها، ومن العقوبة فيه يرحمها، إذا كانت مكرهة في فعلها، فقال: {ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم}؛ فوجبت المغفرة للمكرهات، من الفتيات المؤمنات. وهذه الآية يقال: إنها نزلت في أمة مسلمة، كانت لعبد الله بن أبي بن سلول، فأمرها أن تأتي رجلا ليفسق بها، فيتسنجب به ولدها، فأبت وأتت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأخبرته؛ فاعتقها عليه وزوجها.
  وقال # في موضع آخر منه:
  قال يحيى بن الحسين ~: قال الله ø: {والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم}. قال يحيى بن الحسين ¥: فأمر الله بمكاتبة من علم فيه خير، ممن يطلب المكاتبة من المماليك؛ والخير فهو: البر والتقوى والاحسان، والدين والاسلام، والمعرفة بالله واليقين، والايفاء لمن يكاتبه والإعفاء. والمكاتبة فهو: أن يتراضى السيد والعبد على شيء معروف، يدفعه إليه في أوقات معروفة، أو أشهر، أو سنين، أو أيام، نجوما منجمة، في كل نجم: كذا وكذا دينارا، على قدر ما يتفقان عليه، ويكتبان في ذلك بينهما كتابا، يشترط المولى فيه على مكاتبه: أنه إن عجز فلا حق له قبله، وهو مردود في الرق. ويشترط عليه: أن ولاءه وولاء عقبه له: بشروط معروفة، سوف نبينها في كتاب الشروط إن شاء الله تعالى. فإذا اصطلحا على ذلك، وكتبا كتابهما كذلك - فقد صار العبد مكاتبا، يعمل في أي الأعمال شاء، ويصنع ما أحب، ويؤدي ما قبله على ما اشترط عليه من النجوم؛ فإذا أدى ذلك - فقد صار حرا، وولاؤه لمولاه، إن كان شرط ذلك. وإن عجز عن شيء من كتابته - كان مردودا في الرق، وكان ما أخذ منه سيده - لسيده، لا يرد إليه منه شيئا، إلا أن يشاء