قوله تعالى: {الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم 35}
  ومعنى من معاني النور، وهي: النيران الكثيفة، وهي في معاني: قرص الشمس والقمر.
  ومعنى من معاني النور، وهو: الإيمان؛ لأن الإيمان نور، وكذلك القرآن نور، وقد سمى الله القمر نورا، والشمس سراجا، والإيمان نورا، وقال: {يخرجكم من الظلمات إلى النور}[الأحزاب: ٤٣].
  فهذه المعاني من الأنوار التي ذكرنا مميزة للعقول، إذا ما نظروا إليها بها، فأجروا على الله منها ما يجوز عليه، وما جرى على العباد منها - فعنه ø نزهوا الله، ولم ينسبوه إليه.
  وأما تأويل: {مثل نوره كمشكاة}: فقد يجوز أن يكون عنى بذلك: القرآن في غياهب الوساوس نيرا مضيئا، وبه يبطل كيد إبليس اللعين، وتوهيمه وخدعه، فالقرآن في هذه الأماكن الموحشة، كالمشكاة التي هي: الكوة، والمصباح في القنديل ينير لما حوله، ويضيء لمن دنا منه.
  وقد يجوز أن يكون الله عنى بقوله - مثل نور النبي صلى الله عليه وآله كهذا المعنى الذي وصفنا به القرآن، والمعنى: أن النبي صلى الله عليه وآله أضاء لنفسه بنبوته ورسالة ربه، وأضاء لمن دنا منه، أو سمع به في الأخبار.
  وقد يتجه أن يكون الله أراد به: قلب المؤمن أيضا، والإيمان الذي فيه، فمثل قلب المؤمن وكون الإيمان فيه مثل القنديل في المشكاة؛ فالإيمان يضيء للمؤمن عن كل ظلمة، كما أن القنديل يضيء في الكوة، وتضمحل به الغياهب المدلهمات من الريب؛ والإيمان يتوقد ويضيء بالحكمة توقدا، يظهر شعاع الحكمة، ونورها في كلامه وفعاله، وعلى جوارحه، وهو بعلمه بربه علمه له نور على نور.
  واعلم أنه قد يجوز أن يكون معنى قوله: {نور على نور} أي: نور مع نور؛ لأن كلامه نور مع عمله، وعمله مع علمه، فهذا نور على نور، أي: مع نور.